قبل عام واحد، اشتهرت مدينة باخموت شرق أوكرانيا بالنبيذ ومناجم الملح، لكنها أصبحت اليوم رمزا لحرب روسيا “التي لا هوادة فيها”، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.
لعدة أشهر، قصف كلا من روسيا وأوكرانيا المدينة بشدة. وتبدو آثار القتال في باخموت ظاهرة للغاية في كل مكان تقريبا، مثل المباني المحترقة، وبقايا القذائف، أو حتى الثلوج التي تناثرت عليها أشلاء بشرية.
Bakhmut.
Satellite images.
The first – May 2022.
The second – May 2023.
This is not the result of an earthquake, nor of a meteorite hitting the Earth, nor of a volcanic eruption.
It is much worse… the “russian world” came to Bakhmut. pic.twitter.com/MhvgTI0RJC— Defense of Ukraine (@DefenceU) May 17, 2023
وكانت القوات الأوكرانية تقاوم القوات الروسية، ومرتزقة مجموعة “فاغنر”، الذين تم إطلاق سراح العديد منهم من السجون الروسية وإرسالهم إلى الخطوط الأمامية بعد تدريب قصير.
وشهدت المدينة المعركة الأطول والأكثر عنفا في أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي في فبراير 2022.
وبسبب القتال، فر معظم المدنيين من المدينة، وأصبحت شوارع باخموت الخضراء مدمرة ومحترقة، ودمرت المنازل والمدارس والمتاجر وغيرها من المباني، كما هو موضح في صور الأقمار الصناعية قبل وبعد الحرب.
والسبت، زعمت موسكو أنها استولت على باخموت، لكن كييف نفت ذلك، قائلة إن قواتها لا تزال تحتفظ بجزء صغير من المدينة وتشن هجمات مضادة كجزء من خطة لتطويق المنطقة.
وقالت أوكرانيا، الاثنين، إن قواتها ما زالت تتقدم على جانبي مدينة باخموت رغم تراجع “حجم” تحركاتها، وإن روسيا تجلب مزيدا من القوات، وفق ما نقلت “رويترز”.
وأكدت هانا ماليار، نائبة وزير الدفاع الأوكراني، أن بلادها لها موطئ قدم صغير داخل المدينة نفسها.
وقالت في تصريحات نقلها التلفزيون “من خلال تحركنا على الجانبين -في الشمال والجنوب- ننجح في تدمير العدو. بالتحرك على طول الجانبين والسيطرة على مرتفعات معينة هناك، جعلت قواتنا المسلحة من الصعب للغاية على العدو البقاء في المدينة نفسها”.
وأضافت “ما زلنا نتقدم، لكن حجم التحرك يتراجع إلى حد ما. إذا تحدثنا عن الشمال، فهناك نشاط أقل بكثير هناك. إذا تحدثنا عن الجنوب، فنحن نتقدم، والدفاع عن باخموت كمدينة قد حقق بالكامل هدفه العسكري”.
وكتبت ماليار لاحقا في منشور على تلغرام أن القوات الأوكرانية لا تزال تسيطر على “بعض المرافق الخاصة والقطاع الخاص في منطقة ليتاك”.
وقالت “العدو يجتاح المناطق الخاضعة لسيطرته بالمدينة. الكفاح متواصل من أجل المرتفعات المهيمنة على الجانبين، شمال وجنوب الضواحي. مقاتلونا لا يعطون للعدو فرصة لكسب موطئ قدم هناك”.
وأكدت أهداف كييف بخصوص الدفاع عن باخموت قائلة “تم تقليل الإمكانات الهجومية للعدو بشكل كبير وتم تكبيده خسائر فادحة وكسبنا وقتا لبعض الأعمال التي ستُناقش لاحقا”.
ماذا لو سقطت باخموت؟
إذا سقطت المدينة في يد روسيا، كما يزعم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فسيكون ذلك “المكسب الإقليمي الوحيد المهم لموسكو”، منذ الصيف الماضي، حسب “واشنطن بوست”.
وإذا ما تأكدت هذه الأنباء فستمثل نهاية لأطول وأكثر المعارك دموية في الحرب المستمرة منذ 15 شهرا.
بالنسبة للأوكرانيين، أصبحت باخموت التي كان يبلغ عدد سكانها قبل الحرب 70 ألفا “رمزا للمقاومة”.
في ديسمبر، وخلال زيارته باخموت، وصف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، المدينة بأنها “حصن معنوياتنا”.
وقال محللون عسكريون إن باخموت ليس لها أي قيمة استراتيجية تُذكر، لكن موسكو قالت إن الاستيلاء عليها سيكون نقطة انطلاق نحو التوغل في منطقة دونباس التي تقول إنها ضمتها من أوكرانيا، وفق ما أوردت “رويترز”.
وتتعلق قيمة المدينة في هذه المرحلة بالسياسة والمعنويات أكثر منها بالاستراتيجية، حسب “واشنطن بوست”.
وقال مسؤولون أوكرانيون وعسكريون في الميدان إن القوات الأوكرانية لا تملك الآن سوى بقعة صغيرة من المدينة، ومع ذلك، حققت أوكرانيا مكاسب في الجنوب والشمال، مما قد يمهد الطريق لهجوم مضاد.
والأسبوع الماضي، حققت القوات الأوكرانية أسرع مكاسبها منذ ستة أشهر في ضواحي باخموت الشمالية والجنوبية، وأقرت روسيا بتعرض قواتها لبعض الهزائم.
وتقول كييف إن هدفها في باخموت يتمثل في جذب القوات الروسية من أماكن أخرى على الجبهة إلى المدينة لإلحاق خسائر كبيرة بها هناك، وإضعاف خط دفاع موسكو في المناطق الأخرى قبل شن هجوم مضاد كبير مخطط له، حسبما ذكرت “رويترز”.
ويعتقد بعض المحللين أن الخطوط الروسية يمكن أن تمتد في باخموت إذا دافعت موسكو عن المدينة دون مساعدة قوات “فاغنر” الذين قادوا القتال في غرب المدينة، حسبما ذكرت “واشنطن بوست”.
نصر باهظ الثمن
قال جيمس راندز، المحلل في شركة (Janes) للاستخبارات العسكرية ومقرها لندن: “إنه نصر باهظ الثمن”، مضيفا “لا نعرف عدد الخسائر التي تعرضت لها روسيا لكنها كثيرة”.
ويرى بعض المحللين أن الدمار المأساوي الذي لحق بباخموت يمكن أن يخدم على الأقل بعض الوظائف الاستراتيجية لأوكرانيا.
وحتى لو لم تكن المدينة نفسها مهمة لأهداف موسكو الحربية، فإن القتال الذي طال أمده يمكن أن يبعد روسيا عن الأهداف الأخرى.
وقال راندز “باخموت بلدة واحدة تعرضت للدمار التام، لكنها أبقت نيران روسيا في مكان واحد”.

