الأربعاء _6 _أغسطس _2025AH

إذا كنت من مواليد الفترة بين عامي 1985 و1995، فإن عمرك اليوم يتراوح بين 30 و40 عامًا، ما يجعلك ضمن الفئة العمرية الأكثر استهدافًا من قِبل الحملات التسويقية بمختلف أنواعها. فأنت الآن في موقع اتخاذ القرار فيما يخص الإنفاق والادخار والاستثمار، سواء تعلق الأمر بشراء عقار أو سيارة أو هاتف ذكي، أو حتى باقتناء مستلزمات مكتبية أو منتجات تمويلية.

وبحسب هذه المعطيات، فإن ما يقرب من 80% من الإعلانات التي تظهر عبر مختلف الوسائط موجهة إليك تحديدا، بهدف جذب انتباهك أو كسب رضاك كمستهلك أساسي ومؤثر في السوق.

الحنين إلى مطلع الألفية

من أسهل الحيل التسويقية، التي يلجأ إليها صناع الحملات هو اللعب على وتر الذكريات والحنين إليها، لذلك بالتأكيد شاهدت إعلانات رمضانية يظهر فيها الراحل فؤاد المهندس (عمو فؤاد) بعد وفاته، إلى جانب شخصيات رمضانية اعتدنا مشاهدتها في طفولتنا.

تلك الإعلانات التي عُرضت منذ أكثر من 10 سنوات، كانت تداعب مشاعر الحنين لدى مراهقي التسعينيات ونهاية الثمانينيات، ومع التقدم في الزمن والعمر، تطور الحنين إلى بداية الألفية، زمن الفيديو كليب وبدايات الإنترنت، التي بطبيعة الحال صارت بئرًا لا تنضب من المشاهد الكوميدية، والصور الفكاهية و”الميمز” (Memes).

إعلانات بطعم “الميمز”

أطلق أحد المصارف المصرية في يوليو/تموز الماضي، حملة إعلانية بدت ظريفة في بدايتها، اعتمد صانعها على مخزون من الذكريات الآتية من حقبة مطلع الألفية، والتي تحولت مع مرور الوقت إلى “ميمز” واسعة الانتشار بين الجمهور المصري المستهدف.

ومن أبرزها الصورة الشهيرة لمطرب التسعينيات وأحد نجوم زمن الفيديو كليب إيهاب توفيق من فيديو كليبه “أكتر من كده إيه” والتي أصبحت تعبيرا عن الأهمية بشكل عام والأهمية المصطنعة بشكل خاص، وانتشرت لفترة طويلة بين مستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.

أعاد صانع الإعلان تجسيد المشهد الأصلي بكامل تفاصيله: إيهاب توفيق بطلا، مرتديا نظاراته الشمسية، منهمكا في العمل على حاسوبه المحمول الكبير بينما يجلس في المقعد الخلفي لسيارة خاصة.

هذا المشهد، الذي تحوّل إلى “ميم”، شكّل مدخلًا ساخرًا لإعلان كوميدي، اعتمد في حواره على عبارات شهيرة من أغنيات إيهاب توفيق.

في نهاية الإعلان، يظهر المنتج المستهدف بشكل ذكي، بعد أن تم التمهيد له بطريقة مرحة ومبتكرة. وقد لاقى الإعلان رواجًا واسعًا، إذ حصد عددا كبيرا من المشاهدات والتفاعلات الطريفة، إلى جانب الإشادة بالفكرة والتنفيذ، وبحُسن استثمار رصيد إيهاب توفيق الفني في جذب الانتباه وتسليط الضوء على المنتج.

كان هذا الإعلان واحدا من 3 إعلانات ضمن حملة إعلانية كبرى، تتبع نفس الوصفة، البطلان الآخران من مغني التسعينيات ونجوم فيديو كليب مطلع الألفية أيضًا، هما هشام عباس ومحمد محيي، لكن الإعلانين الآخرين تخليا عن العنصر البصري اعتمادًا على كلمات الأغنيات الشهيرة فقط؛ (قول عليا مجنون، شوفي، بالحب هتاخدي عيني في إعلان هشام عباس، و(اتخنقت، يا ويلي ويلي ويلي يابا) في حالة محمد محيي.

وربما لافتقاد العنصر البصري اللافت لم يحقق إعلانا هشام عباس ومحيي نفس الأثر المرجو، فرغم اعتمادها على كلمات شكلت جزءًا من ذكريات جيل اعتاد الجلوس أمام شاشات الفيديو كليب أو سماع أشرطة الكاسيت حين إصدارها، لكنها فقدت العنصر البصري المرتبط بثقافة “الميمز” الحالية.

استعارة الحالة واستعادة الذكرى

منذ أكثر من عامين وتحديدًا في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022، استعان الكاتب والممثل بالأب الروحي لموسيقى التسعينيات، حميد الشاعري، والنجم هشام عباس لإطلاق أغنية من إنتاجه، تناسب احتفالات رأس السنة الجديدة حينها بعنوان “السهر والانبساط” واستعار فيها عناصر كثيرة من ملامح تلك الفترة “التسعينياتية”، بصريا وسمعيا.

في الأغنية المصورة ظهرت الفتيات العارضات بملابس يعود طرازها للنصف الثاني من التسعينيات، مع سيارة ضخمة عُلقت عليها إضاءات لتشبه سيارات الآيس كريم في شوارع قاهرة التسعينيات، وسمعيا جاء التوزيع الموسيقى مقاربا بشكل ما إلى موسيقى الفترة وآلاتها، وبالطبع صوت حميد الشاعري الهادئ، وحققت الأغنية رواجا في حينها وخلال عامين حققت أكثر من 15 مليون مشاهدة.

ورغم محدودية نجاح الأغنية وارتباطها بالجمهور المصري أكثر من الجمهور العربي، فقد كانت دافعا لإعادة التجربة عبر أغنية أخرى من تلك المرحلة؛ إذ أعاد مسلسل “عمر أفندي” بطولة أحمد حاتم إحياء أغنية “لولاش” الشهيرة، بالتعاون مع مطربها وموزعها حسام حسني.

لم تكن الحملة الإعلانية سالفة الذكر، والاستعارات الأخرى هي أولى محاولات الاستعانة بنجوم التسعينيات أو علاماته الرائجة، فالحنين إلى هذه المرحلة صار تيمة تجارية وفنية منذ أعوام قليلة، فعلها منذ حوالي 7 سنوات صناع مسلسل “الوصية” عام 2018، بالاستعانة بهشام عباس أيضًا، في إحدى حلقات المسلسل.

وفي مشهد مدته دقائق تعرّض صناع “الوصية” بالنقد الساخر لموجة من هذه الأغنيات التي أنتجتها حقبة نهاية التسعينيات ومطلع الألفية، بكلمات تتسم بالحزن على إيقاعات راقصة، وبمشاركة أحد نجوم هذه الموجة ومن هذا المشهد ولدت كوميديا واضحة تنتقد وتسخر وتسترجع الذكريات.

“عدى زماننا وسبق”

تجلّت مشاعر النوستالجيا والحنين إلى الماضي بوضوح في فيديو كليب “في زحمة الأيام”، الأغنية الرباعية التي جمعت حميد الشاعري، وإيهاب توفيق، وهشام عباس، ومصطفى قمر. جاءت الأغنية بلحن كلاسيكي يستحضر روح التسعينيات، مصحوبًا بآلات وترية تضيف عمقا شعوريا حزينا، وكلمات تعبّر عن مرور الزمن، والفقد، وعبثية محاولات اللحاق بالحلم.

تقول كلمات الأغنية: “وأما السنين بتفوت والغنوة تبقى سكوت، وكل شيء محسوب، وأما السنين بتفوت إحساسنا ليه بيموت؟ بإيدين قدر مكتوب.. عدى زماننا وسبق، طلع البطل من ورق، والحلم بات مهزوم…”.

بمشاهد رمزية وكلمات شاعرية، يُذكرنا العمل بأن الزمن لا يعود، وأننا مهما تقدمنا في العمر، سنبقى نعود داخليا إلى مراحل سبقت، نعيشها مجددًا ولو في الخيال.

فكل جيل يحمل معه ذاكرته، ويمر بلحظة يكتشف فيها أن “العمر عدى من غير ما يحس”، وأن ما كان يبدو عاديا في الماضي أصبح الآن سببًا فيض مشاعر.

ومع تسارع الزمن، لا بد أن الأجيال الحالية -صناع القرار الاستهلاكي في المستقبل- سيحملون حنينهم الخاص. تُرى، ما اللحظات أو الأغاني أو الصور التي ستحرّك مشاعرهم بعد عقد من الآن؟ هل سيكون لهم أيضًا زمن يتمنون عودته، ويشعرون أن ملامحه انزلقت من بين أيديهم دون أن يشعروا.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version