سيباستيان سولورزا ممثل تشيلي مصاب بـ”متلازمة داون”، تمكن من كسر الصورة النمطية التي يتبناها المجتمع عن ذوي الإعاقة، إذ تعدى طموحه إبراز حضوره في الساحة الفنية إلى السعي نحو خوض غمار الانتخابات الرئاسية لبلاده في نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
برز سولورزا أواخر عام 2022، عندما جسّد دور البطولة في سلسلة تلفزيونية حملت عنوان “كروموسوما 21” عرضتها القناة الـ13، ثم على منصة “نتفليكس”، وقد حققت انتشارا واسعا تعدى حدود تشيلي، فاكتسب معها شهرة واسعة مكنته من حصد جائزة “أفضل ممثل صاعد” في البلاد عام 2023.
أعلن سولورزا في نهاية يوليو/تموز 2025 عن نيته الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية وسط منافسة كبيرة بين مرشحين بارزين، هما: اليميني “خوسيه أنطونيو كاست”، ومرشحة الحزب الشيوعي عن الائتلاف الحاكم جانيت جارا.
المولد والنشأة
وُلد خوان سيباستيان سولورزا بيلاسكيز يوم 25 فبراير/شباط 1982 بمستشفى سان خوسي في العاصمة التشيلية سانتياغو، ونشأ في بيئة اجتماعية لا تتقبل الاختلاف، وعانى فيها من الإقصاء والتهميش حتى من بعض أفراد عائلته الممتدة، إلا أنه في المقابل حظي برعاية أسرية من والديه، ساعدته على مواجهة التحديات التي لازمته منذ سنواته الأولى.
بيئة أسرية داعمة
بعد ولادته وانتشار خبر إصابته بمتلازمة داون، واجهت أسرته تحديات كبيرة وسط بيئة اجتماعية تقليدية، تنظر لموضوع الإعاقة من منظور تمييزي لا يؤمن بحق هذه الفئة في التمتع بحياة عادية كريمة كغيرهم من الناس.
في ظل هذا الوضع أصرت والدته “يينّي بيلاسكيز” على حماية ابنها ودعمه نفسيا واجتماعيا، وعملت على تطوير مهاراته منذ نعومة أظافره، متحدية نظرة المجتمع الإقصائية لابنها ولذوي متلازمة داون عموما.
كما كان لوالده دور مهم في توجيهه للاهتمام بالفنون، نظرا لكونه يعمل في الإذاعة، الأمر الذي مكنه من توفير الكثير من الأشرطة الغنائية التي شجعت الابن على الموسيقى والرقص والمسرح.
الشرارات الأولى في مسار الفن
في ظل عدم تمكن ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة من ولوج التعليم النظامي، حرصت والدة سولورزا على توفير بيئة تعليمية داعمة لابنها، فألحقته بمركز متخصص، بهدف اكتساب مهارات التواصل والتفاعل مع أقرانه.
ومع مرور الوقت تميز سولورزا في الأنشطة الفنية التي كانت تنظم داخل المؤسسة، مما ساعده على تطوير مهاراته الاجتماعية وصقل مواهبه الإبداعية في الموسيقى والمسرح.
كان المركز المتخصص الذي التحق به سولورزا تحت رعاية المغني “خوسيه ألفريدو فوينتيس”، المعروف بـ “إل بويو فوينتيس”، وبعدما حضر الفنان عرضا لأطفال المؤسسة، فأعجب بموهبة الفتى، ورشحه للالتحاق ببرنامج تلفزيوني كان يشرف عليه ويحمل اسم “بينغا كونميغو” (تعال معي)، وهو عبارة عن عرض فني ترفيهي مباشر يشمل رقصات ومسابقات وعروض كوميدية، كانت تعرضه القناة الـ13 في تسعينيات القرن الـ20.
ازداد شغف سولورزا بالتمثيل عام 2000 وهو في الـ18 من عمره، ومكنته تجربته التلفزيونية من الالتحاق بالفرقة المسرحية “بنديتو تياترو”، وشارك معها في 9 عروض مختلفة، وشكلت هذه التجربة نقلة نوعية في حياته، إذ مكنته من التعبير عن ذاته بطريقة إبداعية، وعززت ثقته بالنفس وأبرزت حضوره الفعال في المجتمع.
النجاح التلفزيوني والشهرة
بعد تميزه على خشبة المسرح لفتت موهبته انتباه المخرج “ماتياس بينابليس”، الذي كان يبحث عن ممثل يؤدي دور البطولة في مشروع مسلسل يحمل عنوان “كروموسوما 21″، ويعني باللغة الإسبانية “التثلث الصبغي 21″، وهم اسم آخر يطلق على متلازمة داون.
حصل سولورزا على فرصة تجسيد دور “تومي” بطل المسلسل، الذي تم عرضه أول مرة على قناة الـ13 التشيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وحظي بمتابعة واسعة واهتمام عالمي بعد عرضه على منصة نتفليكس ابتداء من فبراير/شباط 2023.
وبفضل أدائه المتميز في تجسيد الدور، نال سولورزا جائزة “أفضل ممثل صاعد” (جائزة الاكتشاف) ضمن “جوائز كاليوتشي” عام 2023، وحقق بذلك شهرة واسعة، وأصبح مثالا بارزا لقدرة الأشخاص ذوي الهمم على تخطي النظرة النمطية للمجتمع وتحقيق النجاح في مختلف المجالات.
تجارب مهنية بعيدا عن الفن
بالموازاة مع نشاطه الفني، كان لسيباستيان سولورزا بعض التجارب المهنية الأخرى بعيدا عن المسرح والتمثيل.
فقد عمل في المؤسسة المركزية للأوراق المالية في الفترة بين أبريل/نيسان 2017 ومايو/أيار 2021، بدعم ومتابعة ميدانية من مؤسسة اجتماعية متخصصة في الإدماج المهني للأشخاص ذوي الهمم.
كان سولورزا يتولى استقبال الموظفين والزوار ويوزع البريد ويزود الطابعات بالورق ويجمع المواد المخصصة لإعادة التدوير، كما كان يوزع الوجبات الغذائية على الموظفين.
وفي الخامس من يونيو/حزيران 2023، وبدعم من المؤسسة ذاتها، انضم سولورزا إلى شركة إكسكون للبناء، إذ تولى مهام دعم ومساندة عدة شملت إلى جانب أخرى فحص دفاتر الطباعة وتزويد الطابعات بالورق وتوزيع المستلزمات على زملائه في العمل.
الترشح للانتخابات الرئاسية
في خطوة جريئة واستثنائية فاجأت الكثيرين، أعلن سيباستيان في نهاية يوليو/تموز 2025 عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية في تشيلي، والمقررة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
ويسعى عبر هذه الخطوة -حسب تعبيره- إلى كسر الحواجز الاجتماعية والسياسية، في محاولة إثبات أن الإعاقة ليست حاجزا أمام الإبداع والقيادة في مختلف المجالات.
وسط موجة انتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي تشكك في خبرته السياسية، قاد سيباستيان حملة تهدف إلى جمع 35 ألف توقيع تفتح له الطريق لتسجيل ترشحه بصفة رسمية، في مؤشر يؤكد إصراره على المضي قدما في خطوته، وقد أبدى تحديا واضحا لمنتقديه قائلا “أعلم أن ترشحي قد يسبب انزعاجا للبعض.. لكنني هنا لأدافع عن الأقليات”.