وأضاف أن الجماعة تتمسك بنهج مؤسسها حسن البنا في تقريب وجهات النظر مع إيران لأنها تعتقد أنه سيأتي يوم وتزول الفوارق الشكلية والحواجز النظرية بين الطرفين.
مثلت تلك الرسالة بين رأسي الجمهورية الإيرانية والجماعة الإسلاموية اعترافًا صريحًا وعلنيًا بالتقارب والعلاقات الممتدة بين بينهما والتي تعود في أصلها إلى عشرات السنين، فضلا عن أنها أكدت أن هذه العلاقة دخلت طورًا جديدًا في المرحلة الراهنة، وهو طور تتماهى فيه الإخوان مع المحور الإيراني المعروف بمحور المقاومة.
فخلال السنوات التي تلت الإطاحة بحكم جماعة الإخوان من مصر، عام 2013، فرضت الظروف والتطورات على جماعة الإخوان أن تبقى على اتصالات وثيقة مع طهران، وعقد الجانبان اتصالات دورية، وزار كثير من قادة الجماعة إيران والتقوا بقادتها باحثين عن حلف جديد يجمع المصالح المشتركة بينهما، بعد سقوط مشروع الجماعة في المنطقة العربية وتعثر المشروع الإيراني والذى مُني بانتكاسات استراتيجية.
الأيديولوجيا والمصالح: تحالف الإخوان وطهران منذ ثورة الخميني
وفي الواقع فإن العلاقة بين طهران وجماعة الإخوان لا يمكن أن تعزى فقط الى حلف الضرورة، فالمشتركات الأيديولوجية بينهما عديدة، وواقع العمل الحركي جعلهما يطوعان الأيديولوجيا لخدمة مصالح التنظيم والأهداف المرسومة من قبل قيادتهما العليا وهي أهداف تتفق في غايتها النهائية الرامية للسيطرة على المنطقة العربية.
وتأثر المرشدين الإيرانيين السابق والحالي، على الترتيب، روح الله الخميني وعلي خامنئي بأيديولوجيا جماعة الإخوان ولا سيما تلك التي نظر لها المنظر الإخواني الأبرز سيد قطب في كتاباته، عن الحاكمية، واقتبس المرشد الإيراني السابق من أفكار سيد قطب في صياغته لكتابه “الحكومة الإسلامية”، أما المرشد الإيراني الحالي فترجم كتابي سيد قطب “معالم في الطريق”، و”هذا الدين” للفارسية.
وعلى المستوى الفعلي، التقى ممثلين عن الإخوان من بينهم مفوض العلاقات الخارجية للجماعة يوسف ندا، قبل سقوط نظام الشاه رضا بهلوي، بـ”الخميني” حين لجأ إلى فرنسا، حيث أقام في منزل ريفي مملوك لمؤيده أبو الحسن بني صدر، الذي سيغدو أول رئيس إيراني بعد الثورة ثم سيفر من إيران بعد خلاف مع المرشد الأول، في “نوفشاتيل”. وعندما اندلعت الثورة الإيرانية، عام 1979، سارع الإخوان لإيفاد وفد يضم ممثلين عن أفرعهم من دول مصر، وإندونيسيا، وباكستان، والأردن، ولبنان، لتهنئة المرشد الإيراني الأول بانتصار الحركة التي ألهمها وسيطرته على السلطة في البلاد.
كان وفد الإخوان من أوائل الوافدين لتهنئة الخميني، واعتبرت الجماعة أن انتصار الثورة الإيرانية فرصة لإبرام تحالف إسلاموي يتخطى حدود الجمهورية الإيرانية ويصل للمنطقة العربية، ولذا طلبوا من القادة الإيرانيين ألا ينص الدستور الجديد على المسألة المذهبية حتى لا تظهر طهران وكأنها راعية الانقسام الطائفي، غير أن هذا لم يحدث في نهاية المطاف، ونصت إيران في دستورها على كون مذهبها هو المذهب الجعفري الاثنى عشري للأبد.
لم يحل الخلاف الطائفي بين الإخوان وإيران، إذ بقيت الجماعة الحليف الأقرب للنظام الجديد، ولعب قياديين بارزان الدور الأكبر في رعاية التحالف بين نظام الولي الفقيه في طهران والإخوان، وهما إبراهيم صلاح، ويوسف ندا، وكلاهما شغل منصب مفوض العلاقات الدولية للإخوان، وحدثت بينهما خلافات وأزمات كبيرة، سابقًا.
وعلى أساس هذا التحالف، طلبت الولايات المتحدة عبر سفارتها في القاهرة من المرشد العام للإخوان عمر التلمساني أن يتوسط للإفراج عن الرهائن الأميركيين الذين احتجزوا في السفارة الأميركية بطهران، في الفترة من نوفمبر 1979: يناير 1981، وبالفعل قبلت الإخوان الوساطة لكن اشترطت أن يطلب منها الرئيس الأميركي شخصيًا، وهو مالم يحدث، وفق ما شهادة يوسف ندا التي دونها دوغلاس تومسون في كتاب “من داخل الإخوان المسلمين: حقيقة أقوى الجماعات الإسلامية السياسية في العالم”.
وعملت الإخوان على دعم طهران لوجستيا عن طريق إمدادها بالصلب والقمح وسلع أخرى بعد قرار المقاطعة البحرية الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران بعد أزمة الرهائن، حسبما أشار “يوسف ندا في الكتاب المذكور، والحقيقة أن هذه المشاركة لم تكن العملية الوحيدة التي عملت فيها الإخوان لدعم إيران، بل دعمتها خلال حرب الخليج الأولى بينها وبين العراق عن طريق تنسيق إيصال وسائل قتالية لطهران، وهي قصة لم يتم تسليط الضوء عليها أبدًا رغم معرفة الاستخبارات الغربية بها لأن هذه الوسائل نقلت من دول غربية بالأساس عبر الوسيط الإخواني.
وكذلك توسطت الإخوان بين الجماعات المسلحة الكردية التي قاتلت ضد الحكومة الإيرانية وتوسط في تلك المحاولات يوسف ندا وغالب همت، القيادي البارز بالتنظيم الدولي للإخوان، كما توسط إبراهيم صلاح بين العراق وإيران من أجل إنهاء حرب الخليج الأولى، ولم تنجح المبادرة التي قدمها لإنهاء القتال، في نهاية المطاف.
من منتدى الوحدة لاستقطاب جبهات الإخوان المتصارعة
بقيت العلاقات بين الإخوان وإيران قائمة، طوال السنوات التالية، وأسس الطرفان معًا منتدى الوحدة الإسلامية بالتنسيق بين التنظيم الدولي للإخوان وأمينه العام إبراهيم منير، القائم بعمل مرشد الإخوان فيما بعد، وطهران، بهدف التقارب بين السنة والشيعة، وكذلك سعت الجماعة حين وصلت للسلطة أن تستغل ورقة التقارب مع طهران للضغط على دول الخليج العربي، فتبادل الرئيسين الأسبقين محمد مرسي وأحمدي نجاد الزيارات في طهران والقاهرة، لكن لم يدم ذلك طويلا إذ سقط حكم الجماعة بعد عام واحد في السلطة.
بعد عزل محمد مرسي من الرئاسة، أصبح هناك واقع جديد دفع الجماعة لمزيد من التقارب مع إيران، وعقد قادة بارزون بالجماعة من بينهم، محمد علي بشر، عضو مكتب الإرشاد ووزير التنمية المحلية في حكومة مرسي، وإبراهيم منير نائب المرشد ثم القائم بعمله سابقا، ومحمود الإبياري، الأمين العام للتنظيم الدولي حاليا، ويوسف ندا، مفوض العلاقات الدولية للإخوان، بمسؤولين إيرانيين بينهم قادة بفيلق القدس التابع لحرس الثوري الإيراني في أحد الفنادق التركية، كما كشفت وثائق استخبارية سُربت من أرشيف وزارة الأمن والاستخبارات الإيرانية “اطلاعات”، وأكدته الإخوان على لسان إبراهيم منير، فيما بعد.
وعملت طهران على توثيق صلاتها بجماعة الإخوان لا سيما بعد الانقسام الشهير الذي حصل بين جبهتي المكتب العام برئاسة محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد سابقا، والمعروفة حاليا بتيار التغيير والقيادات التاريخية للإخوان بقيادة محمود عزت، القائم بعمل مرشد الإخوان سابقًا، وإبراهيم منير، ومحمود حسين، أمين عام الجماعة سابقًا والقائم بعمل المرشد- جبهة لندن حاليا.
ورعى الجانب الإيراني زيارات قام بها مسؤولون بجماعة الإخوان ينتمون لجبهة المكتب العام وللجبهات الأخرى داخل الإخوان إلى طهران، وكذلك فتحت المؤسسات البحثية الإيرانية أبوابها لاستقطاب نشطاء الإخوان، وكان من بين من زار إيران خلال الفترات الماضية، رضا فهمي، رئيس مؤسسة ميدان المنبثقة من جماعة الإخوان، وعمرو دراج، وزير التخطيط والتعاون الدولي في حكومة مرسي، وعصام عبد الشافي القيادي بالجماعة سابقًا وآخرين.
وفي الوقت الحالي، تُبقي إيران على علاقاتها بجبهات الإخوان المتصارعة وبالأخص جبهة المكتب العام/ تيار التغيير، وجبهة صلاح عبد الحق المعروفة أيضًا بجبهة لندن، وتمول طهران بشكل غير معلن عدد من قادة الجماعة والمحسوبين عليها، ومن بينهم مؤسسة ميدان، التي تخرج علينا ببيانات من آن إلى أخر بهدف إثبات وجودها في الصراع مع الجبهات الإخوانية المتصارعة.
أما المجموعات القريبة منها كالمجموعات المحسوبة على الجبهة السلفية ومنهم محمد إلهامي، عضو مجلس إدارة ميدان، وأحمد فريد مولانا والذي يُقدم نفسه ككاتب وباحث، وغيرهم، والأخيرين دعا خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة إلى التحالف مع محور المقاومة الإيراني وتجاوز الخلافات المذهبية، وكذلك فعل القيادي بالجبهة السلفية خالد سعيد الذي نشر مقالات يدعو فيها لتجاوز الخلافات المذهبية مع إيران والتحالف معها في وجه الولايات المتحدة وإسرائيل.
علاوة على ما سبق، قامت الاستخبارات الإيرانية بتجنيد بعض شباب الإخوان المقيمين في دول الجوار الإيراني وكلفتهم بمهام استخباراتية وجرى القبض على بعضهم، لتورطهم في أعمال التجسس، وهو ما لم تعلن عنه إيران أو الجماعة.
دعم طهران من البيانات للدعوة إلى تنفيذ الهجمات الإرهابية
وعلى ذات الصعيد، أبدت جماعة الإخوان- جبهة لندن اهتمامًا لافتًا بالشؤون الإيرانية فلم تترك أي مناسبة ممكنة دون إظهار الدعم لطهران، فعندما وقعت تفجيرات كرمان، في يناير 2024، أصدر المتحدث باسم الجماعة صهيب عبد المقصود بيانا يدين ما وصفه بـ”الجريمة الإرهابية”، ويعزي الحكومة والشعب الإيراني، وعندما اختفت طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 19 مايو، عبرت الجماعة عن قلقها وتمنياتها بالسلامة له ولرفاقه وبعد يوم واحد بعث القائم بعمل المرشد صلاح عبد الحق ببرقية عزاء للمرشد الإيراني علي خامنئي يُعزي في وفاة إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق لهما. وفي 6 يوليو، أصدرت الجماعة بيانًا لتهنئة الرئيس الجديد مسعود بزشيكان.
وكثفت الجماعة من نشاطها في فترة الحرب الإسرائيلية الإيرانية، فبعث القائم بعمل المرشد صلاح عبد الحق رسالة إلى المرشد الإيراني، في 18 يونيو، دعم فيها بقوة طهران واعتبر أن الجماعة وإيران طرف واحد ولهم عدو واحد هو إسرائيل، وهي الرسالة التي كشفت مدى عمق الصلة الحالية بين طهران والإخوان.
وكذلك أصدرت الجماعة بيانات لإدانة الحرب ضد إيران ودعت فيها مجلس الأمن الدولي، والدول العربية والإسلامية، لاتخاذ موقف داعم لإيران، مضيفةً أن الحرب الإسرائيلية هدفها جر المنطقة بالكامل لآتون الحرب وأن على الجميع أن يقف صفًا مع طهران للتصدي لإسرائيل، على حد وصف البيان.
وذهبت جبهة المكتب العام/ تيار التغيير إلى أبعد من ذلك، فعبرت في سلسلة من البيانات التي أصدرتها الأمانة العامة لجماعة الإخوان، وهي المكتب التنفيذي التابع لجبهة المكتب العام، إدانتها للحرب الإسرائيلية على إيران.
ثم أصدرت الأمانة العامة للإخوان بيانات بلغة أكثر راديكالية تكاد تتطابق مع اللغة التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل داعش والقاعدة، ودعت لشن هجمات إرهابية حول العالم ضد المصالح الأميركية والغربية والإسرائيلية انتقامًا للضربات التي شنتها تل أبيب ضد طهران وبقية المليشيات التابعة لما يُعرف بمحور المقاومة ومنها جماعة الحوثي في اليمن.
وأثار هذا البيان ضجة كبيرة في صفوف أتباع الإخوان أنفسهم الذين اعتبروا أن تبعات تبني هذا النهج ستكون كارثية على الإخوان، ومن ثم حذفت جبهة المكتب العام، بعد أيام، بيانها الداعي بشكل صريح لشن هجمات إرهابية، بيد أنها لم تستطع أن تنفي أن صارت أشبه بالمليشيات الولائية المرتبطة بطهران في ظل التحالف الإخواني الإيراني الذي يتوثق يومًا بعد يوم.
