فقد كشف كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والإفريقية مسعد بولس، أن واشنطن تعمل مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بشكل منفصل، من أجل التوصل إلى هدنة إنسانية تمثل “البند الأول في خريطة الطريق التي وردت في البيان الرباعي المشترك الصادر في سبتمبر الماضي”.
وأضاف أن “المفاوضات لا تزال جارية، وفرقنا تعمل منذ 10 أيام لوضع اللمسات النهائية تمهيدا للإعلان عن نتائج إيجابية قريبا”.
في المقابل، نقلت وكالة “فرانس برس” عن مصدر في حكومة البرهان، أن الأخيرة “تدرس حاليا المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار”، وذلك بعد أيام من تقارير إعلامية تحدثت عن رفض الجيش السوداني أي حوار مع قوات الدعم السريع.
لحظة الحقيقة
الكاتب والباحث السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ، قال في حديث لـ”سكاي نيوز عربية” إن السودان يعيش الآن “لحظة الحقيقة”، موضحا أن “الحديث الأسبوع الماضي عن وجود وفدين من الجيش والدعم السريع في واشنطن لإجراء مفاوضات غير مباشرة، تم إنكاره أولا ثم تأكيده لاحقا”، وهو ما يعكس، بحسب قوله، تبدلا واضحا في موقف حكومة البرهان التي بدأت تتعامل بواقعية مع الضغوط الدولية.
ويرى أبو الجوخ أن ما يجري في بورتسودان، مقر حكومة البرهان، “ليس صراع مراكز قوة داخل الحكومة كما يشاع، بل نتيجة لحظة كشف الحقيقة التي أجبرت السلطات على التعامل بمرونة مع المقترحات الأميركية”، مشيرا إلى أن مجلس الأمن والدفاع التابع للسلطة في بورتسودان يناقش فعليا مسألة الهدنة، وهو ما يعني أن “مرحلة الإنكار قد انتهت”.
لكن الباحث حذر من أن القرار الفعلي في الحكومة “لا يصدر من العسكريين أو مجلس السيادة، بل من بقايا النظام السابق المنتمين إلى تنظيم الإخوان”، مضيفا أن “هذه المجموعة هي التي أشعلت الحرب وتصر على استمرارها، وتعرقل أي مسار للسلام لأنها تخشى أن يؤدي إلى إنهاء نفوذها السياسي والاقتصادي”.
وأكد أبو الجوخ أن خيارات حكومة البرهان “باتت محدودة للغاية”، قائلا: “إما أن تقبل المقترح الأميركي وتواجه تمردا داخل تحالفها مع رموز النظام السابق، أو ترفضه فتدخل في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي.
واعتبر أن بيان الرباعي، مصر والإمارات والسعودية والولايات المتحدة، في سبتمبر الماضي، كان واضحا حين قال إنه “لا مجال لعودة النظام السابق ولا لعناصره إلى المشهد السياسي”، مضيفا: “هذا ما يثير خوف الإخوان ويجعلهم أكثر تشددا”.
ويعتبر أبو الجوخ أن “التحول الجوهري في موقف حكومة البرهان لن يكتمل ما لم يعاد تعريف المشهد السياسي وفق تطلعات السودانيين أنفسهم”، موضحا أن “كل القوى المدنية والسياسية تنادي بحكم مدني ديمقراطي، وبإعادة تشكيل مؤسسات الدولة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية لتصبح تحت قيادة وطنية موحدة، بعيدة عن الميليشيات والتحالفات الأيديولوجية”.
اتهامات للإخوان
في السياق ذاته، قال الخبير في شؤون الجماعات المتشددة ماهر فرغلي لـ”سكاي نيوز عربية”، إن “جماعة الإخوان في السودان تتعامل بذات المنهج الذي اتبعته في دول أخرى: تخريب أي مسار سياسي لا يبقي على نفوذها”.
وأضاف: “هذه الجماعة لديها سجل طويل في الإرهاب، وهي التي جعلت السودان يصنف ضمن الدول الراعية له، ولن يتوقف عبثها إلا إذا جرى تصنيفها رسميا كمنظمة إرهابية لتجفيف مصادر تمويلها وشل قدراتها العسكرية والسياسية”.
ويعتبر فرغلي أن البيان الرباعية الأخير اتخذ خطوة مهمة “حين سمى الأشياء بأسمائها الحقيقية، لكن المطلوب الآن هو استكمال هذا المسار بمحاسبة الأطراف التي تدير الحرب من خلف الستار”، مؤكدا أن “التعامل الجاد مع هذه الجماعات هو الضمان الوحيد لإنجاح أي عملية سلام مستقبلية.
