الأحد _9 _نوفمبر _2025AH

ويربط كثيرون بين استمرار الحرب لأكثر من 30 شهرا، والعلاقة الوثيقة بين الجيش وتنظيم الإخوان الذي ينظر إلى الحرب باعتبار أنها “وجودية”، ويرفض التعاطي مع أي مبادرات دولية لوقفها.

ومنذ اندلاع الصراع، ظلت العلاقة بين الجيش والإخوان تتصدر نقاشات السودانيين، خصوصا في ظل اتهامات متزايدة للتنظيم باستخدام الحرب مطية للوصول إلى السلطة، وفقا لما عبر عنه أحد قيادات التنظيم بالقول إنها “أعادت للحركة الإسلامية ألَقَها”.

ووفقا لسفير السودان الأسبق لدي سويسرا المندوب الدائم لدي مكتب الأمم المتحدة في جنيف علي الجندي، فإن هناك العديد من المؤشرات والوقائع التي تؤكد التأثير القوي لتنظيم الإخوان على المؤسسة العسكرية، مثلما كان تأثيرهم قويا أيضا على كافة أجهزة الدولة التي وصفها بـ”المختطفة” منذ 1989، بما في ذلك وزارة الخارجية والشرطة والإعلام والتعليم والنشاط الاقتصادي.

ويوضح الجندي لموقع “سكاي نيوز عربية”: “منذ انقلابهم (الإخوان) في 1989، اختطف الإخوان الجيش والدولة، وما حدث بعد 11 أبريل 2019 كان انحناءة تكتيكية للعاصفة التي نتجت عن الثورة، وبعدها أعادوا ترتيب انفسهم حتي نفذوا الانقلاب مع الجيش والدعم السريع ثم أشعلوا الحرب”.

ورصد مراقبون ومختصون في المجال العسكري 5 أدلة برزت خلال الحرب الحالية تشير بوضوح إلى النفوذ الكبير للإخوان في الجيش، قائلين إن تركيبة الجيش الحالية تبرر خضوع قادته لضغوط التنظيم، مشيرين أيضا إلى التمكين الواسع الذي قام به التنظيم داخل الجيش منذ استيلائه على السلطة في يونيو 1989.

واتبع الإخوان بعد تسلمهم السلطة عام 1989، مسارين لضمان ولاء المؤسسة العسكرية، الأول تطبيق سياسة تمكين واسعة شملت إحالة المئات من القيادات العليا والوسطى للتقاعد وترفيع ضباط موالين، والثاني صناعة ميليشيات موازية لكبح أي طموحات انقلابية.

مؤشرات قوية

يتحدث الباحث صلاح دامبا عن “العديد من الحقائق والوقائع التي تؤكد عمق سيطرة الإخوان على الجيش”.

وشهدت الأسابيع الأخيرة التي سبقت اندلاع القتال في الخرطوم، حملات تعبئة واسعة للحرب قادتها عناصر إخوانية معروفة مثل الناجي عبد الله وأنس عمر وغيرهما، وكانت تلك الحملات هي الدافع الرئيسي وراء تحرك وحدة تابعة للجيش في جنوب الخرطوم نحو محاصرة ومهاجمة معسكر للدعم السريع بالمدينة الرياضية، في الساعات الأولى من صبيحة الخامس عشر من أبريل 2023، وهي اللحظة التي أعلنت اندلاع الحرب.

ويوضح دامبا في حديثه لـ”سكاي نيوز عربية”: “قبل الحرب بأسابيع هددت قيادات إخوانية بشكل علني بإشعال الحرب وقطع الطريق أمام العملية السياسية السلمية والانتقال المدني”.

واعتبر الباحث السوداني أن استجابة قيادات الجيش لتلك الحملة الإخوانية المنظمة وتحريك قواته نحو معسكر الدعم السريع “مؤشر حقيقي على تأثير التنظيم على قرار الجيش”.

كما أشار إلى الانتشار الواسع لمقاتلي كتيبة البراء، إحدى أكبر الأذرع المسلحة للتنظيم، في القيادة العامة للجيش وعدد من مناطق الخرطوم، منذ اللحظات الأولى لاندلاع القتال.

ومع استمرار الحرب، بدأ دور الكتائب الإخوانية وسيطرتها على القرار العسكري يظهر بوضوح، وتحدلا قائد كتيبة البراء في أكتوبر 2024، في مقطع فيديو موثق، دعوة الرجل الثاني في الجيش الفريق شمس الدين الكباشي بعدم رفع شعارات سياسية، بالقول: “لن يقدر أحد لجمنا، وليس هنالك من هو أرجل منا”.

أما المؤشر الرابع، فهو، وفق دامبا، انقياد الجيش وراء رفض قيادة الإخوان أي تجاوب مع المبادرات الإقليمية والدولية لوقف الحرب، وهو ما أدى إلى اجهاض 10 مبادرات، وعدم قدرة الجيش حتى الآن على اتخاذ موقف واضح بشأن مبادرة المجموعة الرباعية المعلنة في 12 سبتمبر الماضي.

وفي هذا السياق يقول دامبا: “بعد الحرب، تجلت سيطرة التنظيم على قرار الجيش في منعه من المضي في طريق التفاوض ووقف الحرب”.

ومن المؤشرات الأكثر وضوحا التي تؤكد سيطرة الإخوان على قرار الجيش، ما ذكرته القيادية في التنظيم سناء حمد في مارس 2024، إذ قالت إنها كُلفت من قيادة التنظيم بالتحقيق مع قيادات الجيش حول ما حدث في أبريل 2019، عندما أطاحت ثورة شعبية بنظام حكمهم الذي استمر 30 عاما.

إخلال بالانضباط

يؤكد اللواء المتقاعد هشام أبو رنات إخلال نظام الإخوان بأهم مبدا في تنظيم الجيوش وهو الانضباط العسكري، واستبدله بالعقيدة الجهادية.

ويوضح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “بعد توليهم السلطة في 1989، أبعد الإخوان نحو 13 الف ضابط من الجيش والشرطة والأمن، تعزيزا لشعار الولاء قبل الكفاءة. خلع الإخوان عن الوطن بزة جيشه فأصبح شرط أي منتمي جديد للقوات النظامية أن يكون من الكادر الإخواني، كما عملوا على تنفيذ عملية أدلجة ممنهجة داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية”.

ويشير أبو رنات إلى أن تنظيم الإخوان لا يعترف بأي مسار قومي للجيش، ويؤمن فقط بالجيش العقدي الذي يضمن سيطرة عناصره.

ووفقا لعصام عباس، وهو ضابط متقاعد، فقد عمل الإخوان على “التخلص من معظم القادة العسكريين الذين لا يتفقون مع خطهم الأيديولوجي، واستبدالهم بضباط موالين لهم أو من الذين لا يرون فيهم عدوا، ومهدوا لهم الطريق للوصول إلى الرتب القيادية العليا، كما عملوا على تكثيف برامج بناء قدرات في أوساط صغار الضباط وفق منهج مصمم خصيصا لتقوية الولاء والانتماء للتنظيم”.

 لكن عباس يشير الى أن التنظيم ظل رغم كل تلك الإجراءات متوجسا من الجيش، مما دفعه لبناء كيانات موازية لتكون حائط صد لأي محاولة مضادة لهم.

ويوضح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “تم إنشاء الدفاع الشعبي ووفروا له تمويلا ضخما، لكن حينما فشلت تجربته أسسوا قوات الدعم السريع في مسعى لضمان عدم انقلاب الجيش عليهم”.

ويضيف عباس: “رغم أن الجيش كان منذ الاستقلال مؤسسة منضبطة هيكليا وقانونيا، فإنه ظل يمثل وسيلة للوصول إلى السلطة، حتى أصبح الجيش السوداني صاحب أعلى معدل للانقلابات العسكرية في إفريقيا بنحو 35 محاولة”.

تشوهات كبيرة

يعزي الباحث والمحلل هشام هباني أزمة الجيش الحالية إلى التشوهات التي لحقت بالمؤسسة العسكرية منذ تسلم تنظيم الإخوان السلطة في 1989.

ويوضح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “وجد الجيش نفسه غارقا في السياسة، متورطا في صناعة الميليشيات وصفقات السلطة والنفوذ”.

ويقول هباني إن الحرب الحالية كشفت بشكل جلي حجم التشوهات، ويوضح: “خضع الجيش لمنهج تمكين الإخوان وتمت صياغة عقيدته القتالية تحت رايات دينية لا وطنية، مما جعل الانتماء السياسي والأيديولوجي أهم من الانضباط والاحتراف العسكري”.

ويرى أن المؤسسة العسكرية بدأت تتخلى عن مهامها وواجباتها القومية عندما خاضت حرب الجنوب في تسعينات القرن الماضي بشعارات “دعوية وجهادية”، منبها إلى “تعمد نظام الإخوان إضعاف الجيش، حيث عمل على صناعة ميليشيات موازية ودعمها بالسلاح، ومنحها سلطات فوق القانون، واستخدمها في قمع السكان في دارفور ومناطق أخرى”.

ويشدد هباني على “استحالة معالجة التشوهات الحالية إلا بتبني عقيدة مهنية تنأى بالجيش عن السياسة والانتماء الأيديولوجي”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version