فبحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، تشير تقديرات استخباراتية غربية إلى أنّ حزب الله تمكن جزئياً من إعادة بناء شبكة إمداداته العسكرية، متلقياً شحنات أسلحة من إيران عبر العراق وسوريا.
وفي المقابل، تؤكد الاستخبارات الإسرائيلية رصد نشاط مكثف للحزب يهدف إلى ترميم قدراته وتعزيز نفوذه في الداخل اللبناني، لا سيما شمال نهر الليطاني.
هيئة البث الإسرائيلية حذرت من أن “لا مكان محصناً في لبنان” إذا واصل الحزب إعادة تسليحه، فيما تتجه تل أبيب إلى ترجمة تهديداتها بسلسلة من الضربات الجوية التي أصبحت شبه يومية، وإن كانت لا ترقى بعد إلى مستوى الحرب المفتوحة.
سياسة الردع الإسرائيلية وحدود “الرسائل العسكرية”
التصعيد العسكري الإسرائيلي يُترجم على الأرض باستهدافات دقيقة لقيادات ميدانية وعناصر من حزب الله، كان آخرها في النبطية، حيث قُتل عنصر من الحزب إثر غارة لطائرة مسيّرة.
يأتي ذلك بعد مقتل قائد ميداني في “قوة الرضوان”، الذراع الهجومية للحزب، في وقت تتعمد إسرائيل إبقاء ضرباتها ضمن سقف “الرسائل الردعية” دون الانجرار إلى مواجهة شاملة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جدد التأكيد أن إسرائيل “لن تسمح بتحويل لبنان إلى جبهة جديدة”، فيما لوّح وزير الدفاع يسرائيل كاتس بإمكانية “ضرب بيروت” إذا واصل الحزب ما وصفه بـ”اللعب بالنار”.
مواقف لبنانية متباينة بين الحوار والسيادة
على الجانب اللبناني، تعكس التصريحات الرسمية حالة من الحذر والموازنة الدقيقة بين الضغوط الدولية والإقليمية ومتطلبات الداخل.
الرئيس اللبناني جوزيف عون دعا إلى اعتماد التفاوض لغة أساسية، مؤكداً أنّ الحرب ليست خياراً مطروحا، وأن لبنان ملتزم باتفاق نوفمبر 2024 الذي يفترض التزام الطرفين بتهدئة دائمة.
أما وزير الخارجية يوسف رجّي، فأكد أن الحكومة تدرك أنّ الحل الدبلوماسي هو السبيل الوحيد، مشدداً على المضي في تنفيذ اتفاق الطائف وحصر السلاح بيد الدولة. وأضاف أن تحييد لبنان عن سياسة المحاور هو الطريق الوحيد لحماية استقراره.
بداية أزمة أوسع من السابق
حذر المستشار السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ألون أفيتار، من أن المنطقة تقف على أعتاب أزمة جديدة أكثر خطورة واتساعاً من جولات التوتر السابقة بين إسرائيل وحزب الله، مؤكداً أن الأوضاع في الجنوب اللبناني تتجه نحو “مسار تصعيد خطير”.
وأوضح أفيتار، في حديثه إلى التاسعة على سكاي نيوز عربية، أن ملف التوتر الحدودي يحتل صدارة الاهتمام في إسرائيل، مشيراً إلى أن التطورات الأخيرة تمثل “بداية أزمة عميقة هي الأولى منذ فترة وقف إطلاق النار” التي استمرت لأكثر من عام.
إعادة تسليح وتكثيف تهريب الأسلحة
أشار المسؤول الإسرائيلي السابق إلى أن الأجهزة الاستخباراتية في تل أبيب تمتلك ملفاً متكاملا حول ما وصفه بـ”ظاهرة إعادة التسليح والترميم” داخل حزب الله، مؤكداً أن إسرائيل نقلت معلومات مفصلة إلى الإدارة الأميركية والوسطاء الدوليين لإثبات حجم هذه التحركات.
وقال أفيتار إن عمليات تهريب الأسلحة من إيران إلى لبنان عبر الأراضي السورية مستمرة رغم محاولات محدودة من دمشق وبيروت للحد منها، موضحاً أن تلك المحاولات “لم تؤثر بشكل جوهري في قدرات حزب الله العسكرية”، وأن الحزب “يواصل تكبير ترسانته في الجنوب والشمال على حد سواء”.
رسائل إسرائيلية بالنار
وفيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة في الجنوب اللبناني، أوضح أفيتار أن هذه الاستهدافات لا تهدف إلى تدمير البنية العسكرية لحزب الله بشكل كامل، بل تأتي “كإشارة تحذيرية ورسالة جدية إلى جميع الأطراف بأن تل أبيب لا تكتفي بالتصريحات الإعلامية، بل مستعدة للتحرك الميداني عند الحاجة”.
وشدد على أن الوجود العسكري الإسرائيلي على الحدود “ليس احتلالاً بل إجراء دفاعي يهدف إلى حماية الحدود الشمالية وضمان الاستقرار الأمني بعد بناء الجدار الحدودي”.
وفي تقييمه لموقف الحكومة والجيش اللبناني، اعتبر أفيتار أن هناك “فجوة واسعة بين التصريحات السياسية والإجراءات العملية” فيما يخص تنفيذ التزامات اتفاق التهدئة، ولا سيما تفكيك النظام العسكري التابع لحزب الله في الجنوب.
وأشار إلى أن لبنان لم يشهد أي مواجهة فعلية بين الجيش اللبناني والحزب، ولم تُسجَّل عمليات تسليم أسلحة، بل على العكس “تتواصل عمليات التهريب وإعادة التسليح عبر الحدود السورية”، في مؤشر على أن احتمالات عودة المواجهة العسكرية تزداد يوماً بعد آخر.

