تُعد الحرف اليدوية بمنطقة نجران من الشواهد الحية في تطوّر المجتمع المحلي، وقدرته على استثمار الموارد الطبيعية التي تزخر بها المنطقة في إنتاج مشغولات متنوعة، تعكس أصالته، وعمق ارتباطه بموروثه، حتى أصبحت رمزًا ومكوّنًا ثقافيًّا حافظت على حضورها عبر الأجيال المتعاقبة.
وتُشكّل الصناعات الفخارية أبرز الصناعات التراثية، بوصفها مهنة متجذرة ارتبطت ببيئة المنطقة وموروثها الثقافي والاجتماعي، كما تُمثّل هذه الحرفة اليوم أحد أهم عناصر الهوية المحلية التي تجذب المهتمين بالتراث والزوار على حد سواء، لما تعكسه من براعة يدوية، وفن ملهم للأجيال الحالية، محافظة بنفس الوقت على أصالتها، وجذورها العميقة عبر التاريخ.
وتعود صناعة الفخار في نجران إلى عشرات السنين، إذ اعتمد الأهالي على الموارد الطبيعية المتوفرة بالمنطقة، وفي مقدمتها الطين المستخرج من ضفاف الأودية، ليُعاد تشكيله في صورة أوان وأدوات منزلية تُستخدم في الطهي وحفظ الماء وتخزين الحبوب، ومنها: البرمة الخاصة بطبخ اللحم، والزير والجرّة لحفظ الماء، والتنّور لعمل الخبز، والمداخن للبخور، إلى جانب التحف المنزلية التراثية المزخرفة بأعمال فنية في غاية الروعة.
وتتميز المنتجات الفخارية بزخارفها البسيطة المستوحاة من البيئة المحلية، وتنفّذ باستخدام أدوات بدائية، ممزوجة بفنّ الصانع وعبقريتّه في تحويلها إلى أشكال هندسية متقنة، يستخدمها الأهالي في منازلهم، وتُعرض في الأسواق والمهرجانات التراثية كقطعٍ فنية تحمل طابعًا تراثيًّا مميزًا.
وخلال جولة وكالة الأنباء السعودية في السوق الشعبي بحي أبا السعود على محال الصناعات الفخارية التقت عددًا من الباعة الذين أشاروا إلى أن صناعة الفخار تمر عبر مراحل متعددة بدءًا من تنقية الطين بعناية، ثم تنظيفه من الشوائب وخلطه بالماء حتى يصل إلى درجة الليونة المناسبة، قبل أن يُشكّل على عجلات يدوية أو بأساليب تقليدية تعتمد على مهارة الصانع، وبعد الانتهاء من تشكيل الأواني، تُعرَّض للشمس عدة أيام، ثم تُنقل إلى الأفران التقليدية المصنوعة من الطين، لتحرق في درجات حرارة مرتفعة تكسبها الصلابة واللون المميز.

