الثلاثاء 25 رمضان 1446هـ

من أبرز ملامح الدراما المصرية في رمضان 2025 هو اقترابها اللافت من هموم المواطن اليومية، وملامستها الصعوبات الاقتصادية التي يعيشها. هذه الضغوط دفعت كثيرين إلى نسج علاقات اجتماعية مشوهة، وأسهمت في بروز ظواهر جديدة ارتبطت بتطور التكنولوجيا وانتشار وسائل الاتصال الحديثة.

ومن بين هذه الظواهر، تبرز المراهنات الإلكترونية التي تنتشر عبر تطبيقات الهواتف المحمولة وتُعد شكلاً مقنّعًا من أشكال القمار. غالبًا ما يلجأ إليها من يشعرون باليأس، وخصوصًا أولئك العالقين في قاع المجتمع أو المتضررين من تراجع الطبقة الوسطى. وقد وجدت هذه التطبيقات منفذها إلى المجتمع المصري من خلال مباريات كرة القدم وبرامج تتيح تحويل الأموال مباشرة عبر الهواتف، مما زاد من سهولة الوصول إليها وأسهم في انتشارها بين الفئات الأكثر هشاشة.

الصديقان.. اليأس والقمار

قدم مسلسل “منتهي الصلاحية” للمخرج تامر نادي، وسيناريو محمد هشام عبية، تلك الظاهرة بشكل تفصيلي داخل النسيج الدرامي للمسلسل، الذي يقوم بأدوار البطولة فيه كل من محمد فراج وياسمين رئيس وهبة مجدي ومحمود الليثي.

وتدور أحداث “منتهي الصلاحية” حول “صالح” الذي يجسد دوره الممثل محمد فراج، والذي تنهار حياته بعد أن يتم تلفيق تهمة له تتسبب بدخوله السجن، ومن ثم يخسر وظيفته ويطلق زوجته وتصبح علاقته بابنته الوحيدة غير مستقرة، ويحاول بعد خروجه من السجن إصلاح وبناء حياته من جديد عن طريق المراهنات، لكنها تقوده إلى عالم مظلم ومليء بالمخاطر.

المفارقة الأولى في المسلسل تظهر منذ الحلقة الأولى حين يكتشف صالح وجود سرقة في حسابات العملاء في البنك مما يسبب له مشاكل مع مديره الذي يحوّله للتحقيق، ومن ثم إلى المحكمة التي تدينه وتقضي بسجنه بشكل غامص ودون إشباع لمفصل درامي ينبغي أن يؤسس للعمل بالكامل، خاصة مع التناقض الواضح بين امتلاك صالح المستندات التي تحميه وصدور الحكم عليه.

وانتقلت القصة إلى منعطف درامي أشد أهمية لكنه بدا أكثر ضعفا، إذ شاءت الصدفة أن يطلق صالح زوجته رانيا (الممثلة هبة مجدي) في يوم القبض عليه وسجنه، وهي صدفة تكاد تصرخ بنفسها: أنا مفتعلة وغير معقولة.

ومن الواضح أن مخرج العمل وهو صاحب القصة حاول اختزال البدايات وتجنب المط والتطويل، نظرا لعدد الحلقات الذي لن يتجاوز 15 حلقة، ولرغبته في الدخول مباشرة إلى صلب قضية العمل التي تتعلق بالمراهنات.

أزمة تجمع الكل

رغم البداية التي شابها بعض الضعف وتفاصيل بدت مفتعلة في الحبكة، فإن تطور بناء المشاهد وانسيابية الحوار كشفا عن براعة كاتب السيناريو محمد هشام عبية، وأكدا على أصالة الطرح الدرامي للعمل. كما ساهمت اختيارات مواقع التصوير الخارجية، إلى جانب الديكورات الداخلية، في تعميق الأبعاد الاجتماعية للقضية المطروحة، وعكست بشكل واضح الأجواء التي تدور فيها الأحداث.

من أبرز نقاط القوة في العمل وضوح الملامح النفسية والاجتماعية للشخصيات، وظهور نماذج بشرية جديدة على الشاشة، خاصة مع تسليط الضوء على شخصيات نشأت في ظل ظاهرة المراهنات الإلكترونية، مما أدى إلى ظهور تركيبة هجينة تجمع بين “الفتونة” و”البلطجة” وتوظف مفردات مستمدة من عالم كرة القدم والتكنولوجيا.

وتتوالى الحلقات كاشفةً تفاصيل أكثر قتامة عن واقع اجتماعي مأزوم مثل حالة المعلم فتحي (محمود الليثي)، الذي يقضي يومه في إعطاء الدروس الخصوصية، قبل أن يقع في فخ إدمان المراهنات الإلكترونية، أو شخصية الشاب الطموح “شرقاوي”، التي يقدمها حسن مالك، ويضطر لخوض هذا العالم بعد إصابة أنهت مسيرته الكروية بحثًا عن لقمة العيش.

شخصية شرقاوي تلعب دور المحور الرابط بين خطين دراميين رئيسيين:

  • الأول يتمثل في قصة صالح، موظف البنك الذي يتعرض للظلم، ثم يدخل عالم المراهنات، وتُبرز قصته علاقاته المعقدة مع ابنته المراهقة، وطليقته رانيا (هبة مجدي) وصديقه ماهر (تامر نبيل) الذي يبدو ظاهريا مخلصا، لكنه يخفي نوايا خيانة، ويُرجح أن تنكشف حقيقته لاحقًا كالمتورط الأول في قضايا البنك.
  • الخط الثاني يدور حول شقيقته منى (ياسمين رئيس)، التي تقع ضحية للنصب والابتزاز على يد خطيبها السابق ومجموعة من أصدقائه الذين يعيشون في هامش مجتمعي واقتصادي أكثر هشاشة. ويتقاطع مسارها مع مسار شقيقها صالح، لتتداخل العوالم وتنكشف الروابط بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، في سرد يُحاكي واقعًا غير مرئي لكنه حاضر بقوة.

ورغم أن المسلسل شيق ولا يحتاج إلى إضافات، لأننا أمام أبطال وشخوص تتلاعب بهم الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، فإن صناع العمل أرادوا زيادة جرعة الإثارة والحيرة، وساعدهم في ذلك أداء الممثلة هبة مجدي التي يصعب على المشاهد اكتشاف نسبة الصدق من الكذب في حديثها، وقد ترك السيناريست علاقتها غامضة مع زوجها السابق صالح وصديقه ماهر، فكلاهما يحبها وتبدو ردود فعلها تجاه كل منهما غير واضحة.

أما الصديق ماهر، فيبدو منذ بداية العمل في موضع الخائن أو المشتبه فيه على الأقل، خاصة لو أعاد المشاهد بناء القصة عن شخص يحب زوجة صديقه فيورطه في قضية بالبنك الذي يتزاملان فيه، ومن ثم يبدأ في التسلل إلى حياة الزوجة.

ولعلها من المرات القليلة التي تظهر خلالها هبة مجدي في دور شرير إلى حد ما، مما يزيد من الحيرة حول ممثلة كانت أبرز أدوارها في دور المظلومة.

ورغم تألقه في أعمال تلفزيونية سابقة، فإن دور صالح الذي يقدمه فراج يعد أول بطولة مطلقة له، ولعل تلك الدقة في الأداء والقدرة على بسط الهم الداخلي خارجيا أمام المشاهد من دون تشنج أو صوت عال، هي ما يميز فراج الذي يبدو “منتهي الصلاحية” بالنسبة له هو تاريخ لـ”بدء الصلاحية” في سباق الدراما لسنوات طويلة قادمة.

تفاصيل جديدة

لا تقتصر محاولات إلقاء الضوء على أحوال المجتمع المصري وإعادة تمثيله على مسلسل “منتهي الصلاحية” فقط، لكنها مكررة في العديد من مسلسلات رمضان 2025، وتبدو وسائل الإعلام وقد تخلت عن وظيفتها في الدفع بأزمات المجتمع إلى مقدمة المشهد لمحاولة معالجتها، لذا تحل الدراما محلها، وتصور أبناء المجتمع وهم يتبارون في سباق للنجاة على حساب بعضهم بعضا في أغلب الأحيان.

وفي دراما “منتهي الصلاحية” لا يحاول صناع العمل الحكم على الشخوص بتصنيفهم، ولكنهم يسردون قصصهم، وفي القصص تكمن الأعذار ويكمن الشرح، والبراءة أو الإدانة، ويشير كاتب العمل إلى مجرم أساسي في بداية القصة، إذ يسرق مدير البنك أرباح المودعين بطريقة ملتوية، وحين يكتشف صالح الأمر يُسجن، وهو ما يبدو إشارة إلى مجرم يسرق حقوق هؤلاء الذين يدورون في دائرة مفرغة من الصراع اللانهائي بدلا من الاتجاه مباشرة لانتزاع حقوقهم من سارقها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version