الأربعاء 18 جمادى الأولى 1446هـ

“6 شهور” تجربة درامية جديدة شبابية للغاية، اعتمد صانعوها على نجوم بعيدين كل البُعد عن الصفوف الأولى، في تجربة تكاد تكون الأولى لغالبية طاقمها، ومع ذلك تعامل الجميع بثقة ومهنية، ما أنتج عملا تصدّر محركات البحث بمجرد عرض الحلقتين الأولى والثانية رغم المنافسة التي واجهها مع مسلسلات أخرى تُعرض في الوقت نفسه، ويتصدّرها نجوم أكثر شهرة، على رأسها مسلسل “وتر حساس” لأبطاله صبا مبارك ومحمد علاء وإنجي المقدم.

حبكة من قلب الواقع

ما ميز “6 شهور” أنه عمل من الشباب وإلى الشباب، إذ يحكي عن “مراد” (نور النبوي) حديث التخرج الذي يفشل بإيجاد من يؤمن بنبوغه ومشاريعه الخاصة، فيفعل مثل المئات وربما الآلاف غيره الذين يقررون طَرق باب العمل بمجال الـ”كول سنتر”، وأمام تعنّت وضيق أفق مديره يبحث عن فرصة بديلة مُتجها للمحطة التالية برحلة الكثيرين أيضا، حيث شركة للعقارات.

ومن أجل إثبات ذاته يصبح لزاما عليه تحقيق “التارغت” وبيع وحدات سكنية بملايين سواء للحصول على راتب أو للتثبيت قبل مرور الأشهر الستة الأولى، وهو ما يضعه تحت ضغط نفسي طوال الوقت، خاصة مع حالة التنافس المستمر بينه وبين زملاء العمل، ووقوعه في براثن الديون بالتزامن مع الغلاء الفاحش الذي ينهش المجتمع بأكمله.

من رحم الواقع جاء هذا العمل، الأمر الذي أضفى عليه مصداقية وقدرا هائلا من المعايشة التمسه من مرّوا بتجارب مشابهة، هذه الكتابة الحساسة والصادقة يمكن اعتبارها حجر الأساس الذي ارتكز عليه العمل وساعد على اختراقه قلوب المشاهدين دون استئذان.

وهو ما يمكن إرجاعه للتجربة الشخصية للسيناريست أحمد هشام، الذي أكد استيحاء فكرة وقصة المسلسل من عمله مندوبا للمبيعات طوال دراسته الجامعية وقبل امتهانه الفن، حتى إنه كان يضطر لإجراء ما يقارب 300 مكالمة هاتفية يوميا، ما منحه مادة درامية ثرية وخصبة ومواقف عديدة يمكن إدراجها داخل العمل.

الرهان على النجوم الجدد

بجانب الكتابة التي، وفقا لصانعي العمل السيناريست أحمد هشام والمؤلف عمرو أبو زيد، استغرقت عامين، وجاء العمل بالنهاية نتاجا للمسودة الحادية عشرة بعد تطوير مستمر للنص، يُعد العمل انتصارا للمواهب الجديدة ومحاولة منح الفرص الأولى لمستحقيها، وهي السياسة التي يبدو أن منصة “واتش إت” تعتمدها بالأعمال التي تنتجها، إذ سبق وقدموا مسلسلات راهنوا خلالها على ممثلين جدد للحمل على عاتقهم دور البطولة لدراما “الأوف سيزون” على رأسهم عصام عمر بمسلسل “بالطو”، وطه دسوقي بمسلسل “حالة خاصة”، وأمير عيد بمسلسل “ريفو” بجزئيه.

والآن يعاودون الكرّة بالرهان على نور النبوي بأول بطولة درامية له بعد الأعمال الرمضانية التي جمعته بوالده خالد النبوي ومسلسل “راجعين يا هوى” و”إمبراطورية ميم”، وبطولته لفيلم الحريفة الذي حقق نجاحات غير متوقعة للحد الذي دفع المنتجون للتجهيز لجزء ثانٍ منه على أن يُعرض العام المُقبل.

وبفضل تلك السياسة الواعدة تشهد الصناعة ضخ دماء جديدة باستمرار قبل أن يصبح البقاء على الساحة للأفضل وليس للأكثر وساطة أو متابعين على منصات التواصل.

في نخب العمل الجماعي

ولأن “6 شهور” تجربة بِكر لأصحابها، حرص الجميع على إنجاح الجميع، وحسب شهادات ممثلي العمل فقد حرص مؤلف العمل على منح كل شخص تفاصيل كافية لشخصياتهم وشرحا وافيا لعوالمهم من الخارج والداخل، وكذلك ساعدهم المخرج مصطفى الصولي -بأول أعماله الإخراجية- على تقديم أفضل ما لديهم بعد جلسات المناقشة الدائمة والطويلة قبل كل مشهد.

وبالنظر عن قرب إلى الأبطال، يمكن القول إن نور النبوي بذل جهدا ملموسا للإلمام بتلابيب شخصية “مراد” الذي يختفي خلف نظارته الطبية، ويصمت أكثر مما يتكلم، فيما يحتفظ بمخاوفه وإحباطاته داخله، ويواجه التحديات اليومية بثبات لا يخلو من بعض اليأس أو خيبة الأمل.

كذلك برع آخرون بأدوارهم التي سمحت لهم بالظهور إثر فرصة كبرى لم يتوانوا عن استغلالها كما يجب، مثل أمجد الحجار بدور “حليم” الشخص الانتهازي الذي لا يتورّع عن سرقة مجهود الآخرين لإثبات ذاته والتفوق على أقرانه، وميشيل ميلاد بدور “مروان” الموظف الذي يعاني من الرهاب الاجتماعي وينعزل داخل مكتبه بعيدا عن أعين الجميع.

وهناك أيضا مصطفى محمود بدور “سعد” عامل البوفيه خفيف الظل، الذي لا تخلو مشاهده من الكوميديا الذكية، ومروان فارس بدور “روني” صديق البطل المقرّب الذي لا يتوانى عن التضحية لأجله سواء ماديا أو معنويا رغم اختلاف نشأتهم وأفكارهم وقناعاتهم.

أما النجوم الأكبر سنا وأكثر خبرة فجاء ظهورهم إضافة للعمل، سواء من ظهروا ضيوفا للشرف مثل علاء مرسي، أو الذين ظهروا على فترات مثل مراد مكرم المدير بشركة العقارات، أو محمد عبد العظيم صاحب السوبر ماركت الذي يُقرض المتعثرين ويضع شروطا مُجحفة لاسترداد أمواله، دون أن يخلو الأمر من لمسات كوميدية يُجيدها وتُميزه.

أما المشاركات من النساء للأسف جاء أداؤهن متواضعا وأحيانا ضعيفا، على رأسهم نور إيهاب ورشا مهدي، وحتى فريدة رجب التي لفتت الأنظار بمسلسل “ليه لأ 3” لم يحظ دورها بكتابة جيدة فلم تترك أثرا، وإن كانت النجمة سلوى محمد علي استطاعت الانضمام لجيش الكبار ذي الحضور الطاغي.

 

وأخيرا لا يمكن إغفال الموسيقى التصويرية، بداية من تتر المقدمة شديد الإبداع، إذ ضمّ شريطا صوتيا لمكالمات الأبطال مع العملاء وهو ما جاء في إطار جمع بين الكوميديا والواقعية، مرورا بتتر (شارة) النهاية وأغنية العمل، وكلاهما ينتمي لأغاني الراب وقام بالغناء “ليجي-سي” وهو ما جعل العمل أكثر شبابية روحا وحبكة.

جدير بالذكر أن كل تلك الإيجابيات لا تعني خلو العمل من السلبيات، أهمها طرح حلقتين فقط أسبوعيا، الأمر الذي منح المشاهدين فرصة للانفصال عن الأبطال وحكاياتهم، وكان من الأفضل لو أن العمل يُعرض منه 5 حلقات أسبوعيا أو 3 على الأقل، غير أن كَون العمل من 10 حلقات فقط فعلى الأرجح لدواعٍ إنتاجية وثقافة الإعلانات وجد صانعوه من الأفضل طرحه على مدار 5 أسابيع عوضا عن أسبوعين فقط أو ثلاثة.

أما العيب الثاني والأهم هو استشعار بعض المشاهدين الملل أحيانا، بسبب اعتماد الحبكة على وجود ضيوف شرف جدد كل حلقة، ومشاريع مشترين للعقارات يظهرون بسرعة ويختفون بالسرعة نفسها دون أن يرتبط بهم الجمهور.

“6 شهور” مسلسل اجتماعي لا يخلو من الدراما وخفة الظل من 10 حلقات، عُرض منه حتى الآن 6 حلقات ويبقى على نهايته أسبوعان، العمل تأليف عمرو أبوزيد وأحمد هشام، وإخراج مصطفى الصولي، وإنتاج شركة أروما.

بطولة نور النبوي، ونور إيهاب، ومراد مكرم، ومحمد عبد العظيم، وسلوى محمد علي، بالإضافة لطاقم من الشباب من بينهم أمجد الحجار، وبسمة نبيل، ونورا عبد الرحمن، وباهر النويهي، ومروان فارس. والمسلسل من تأليف عمرو أبوزيد وأحمد هشام، وإخراج مصطفى الصولي، وإنتاج شركة أروما.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version