الأربعاء 18 جمادى الأولى 1446هـ

كانت مظاهر احتفالات المصريين بالأعياد خلال القرون الماضية موضوعا مثيرا جذب الكثيرين من الرحالة والمؤرخين والمستشرقين، وحتى الفنانين الأجانب ممن وفدوا لمصر وعاشوا فيها وجالوا بين ربوعها ورسموا معالمها، وصوروا جوانب من الحياة اليومية بها، وكذلك الباحثون والمحققون والكُتاب الذين سجلوا لنا ما كتبه هؤلاء الرحالة والمستشرقون في مؤلفاتهم، وما سجلوه في يومياتهم، وما رسمه المصورون الأجانب من مظاهر تلك الاحتفالات التي احتلت مساحة كبيرة في المصادر العربية والأجنبية.

وفي كتابها “مصر في كتابات الرحالة والقناصل الفرنسيين في القرن الثامن عشر” -الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة تاريخ المصريين- نقلت لنا الدكتورة إلهام محمد علي ذهني بعضا مما سجله قناصل فرنسا، والرحالة الذين وفدوا لمصر من فرنسا، عن مظاهر احتفالات المصريين بالأعياد، مثل تأكيدهم على حب المصريين للفرح وإقبالهم على فنون الغناء والرقص، وأن غرام المصريين بتلك الفنون يتركز في المدن أكثر منه في الريف.

وتدلنا كتابات الرحالة والقناصل الفرنسيين على أن عيدي الفطر والأضحى من الاحتفالات الدينية المهمة في مصر، وأن المصريين يحرصون في أعيادهم على تقديم الطعام، والجلوس على الأرض وهم يتناولون طعامهم المطبوخ بالسمن أو الزيت، وأنهم مغرمون بالفواكه ويأكلون بعد انتهاء الطعام الشمام والبطيخ، وأن من عاداتهم الجميلة أيضا أنه عندما ينظر إليهم أحد عند الأكل لا بد أن يعطوه من طعامهم.

رحالة أوروبيين في مصر الحديثة

وتحدثنا المصادر التاريخية عن الكثير من الرحالة الأوربيين الذين سجلوا في كتاباتهم ورسومهم مظاهر الاحتفال بالأعياد في مصر، خلال القرنين الـ18 والـ19، وقد أطربهم جو الحياة في القاهرة، وجذبهم عبق الشرق وسحر الحياة الشرقية، وصخب الاحتفالات الشعبية للمصريين.

وينقل رمضان حسن، في كتابه “رمضان” الصادر عن دار القلم بالقاهرة، عن محمد بن السعودي الخياط الذي كان يسكن درب الأتراك بجوار الأزهر، قوله إنه في سنة بضع وستين وسبعمائة جاءه في عيد الفطر من الجيران أطباق كعك على عادة أهل مصر ملأ بها زيرا كبيرا، وأن هذا النوع حاز اهتمام التجار، لأنه كان رائجا في القرنين الـ14 والـ15 الميلاديين، وأن رؤية الكعك بأنواعه كانت تروق للناس في عيد الفطر لكثرة ما يُعرض منه في الحوانيت.

وتروي صفحات الكتاب ما سجله الرحالة والمؤرخون عن الكعك، وكيف صنع له المصريون القوالب المنقوشة والمكتوبة، ومنها مجموعة عُرضت في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، مكتوب على بعضها: “كل هنيا”، و”كل واشكر”، و”كل واشكر مولاك”، و”بالشكر تدوم النعم”.

ونتعرّف من المصادر التاريخية، كيف أن الاهتمام بالعيد لم يقف عن عمل الكعك وأصناف أخرى من الحلوى، بل شمل السمك المملح.
ويقول سبط بن الجوزي، الذي عاش في القرن الـ13 الميلادي، إنه أكل السمك المملح في يوم عيد الفطر.

كما نقرأ في كتب الرحالة والمؤرخين، أنه منذ القرن الـ19 الميلادي والمدافع تطلق في الأوقات الخمسة أيام العيد احتفاء وابتهاجا به، وقيام الشعراء والأدباء بتقديم التهاني بالعيد ما بين نظم ونثر.

كعك العيد

ويُذكر عن الفاطميين أنهم توسعوا في العناية بكعك العيد، حتى جعلوا له إدارة حكومية خاصة عرفت بـ”دار الفطرة” وكان دور العالمين بها هو تجهيز كعك وحلوى العيد.

وعلى ذكر الكعك وعمله وتوزيعه، تذكر كتب الرحالة والمؤرخين من عرب ومستشرقين أن الدولة الإخشيدية سبقت الدولة الفاطمية في العناية بكعك العيد، وأن أبا بكر محمد بن علي المادرائي وزير الدولة الإخشيدية قام بعمل كعك حشاه بالدنانير الذهبية.

وصار البعض يوزع كعك العيد كنوع من الصدقة على الفقراء، حتى إن بعض الأوقاف عملت على توزيعه في عيد الفطر على اليتامى والفقراء حتى لا يحرموا منه، مثل وقف الأميرة تتر الحجازية الذي كان ينص على توزيع الكعك الناعم والخشن على موظفي مدرستها التي أنشأتها سنة 1348 ميلادية، وقد أصبح سكان مصر يتهادونه من وقتها حتى الآن ويتفاخرون بإجادة صنعه.

ويدل كتاب “رمضان زمان” للدكتور أحمد الصاوي، والصادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة، أن من أبرز مظاهر الاحتفال بيوم عيد الفطر لدى المصريين على مر الزمان، هو ذلك الاهتمام الكبير بأداء صلاة العيد التي يتقدمها الحكام والسلاطين وعمال النواحي وأرباب الوظائف كالقضاة والعلماء في الدول، وتسجل المصادر أن الدولة الفاطمية في طليعة الدول الإسلامية التي اهتمت بالاحتفال بيوم الفطر، كما يروى أن الاحتفالات بعيدي الفطر والأضحى كانت تتضمن إقامة المواكب المحاطة بأنواع من المرح.

وأما صلاة العيد فكانت تشهد خروج الحكام والسلاطين في مواكب حاشدة تتقدمها الخيالة، وتسير من بوابات قصور الحكام والسلاطين حتى تصل إلى المساجد الكبري في حضور رجال الدولة وكبار التجار والصُّناع وأعداد من مختلف الطوائف.

كسوة العيد

وسجل لنا هذا الكتاب، ما رواه الرحالة والمؤرخون، من العرب والمستشرقين، عن كسوة العيد التي كانت مظهرا مهما من مظاهر الاحتفال بالأعياد لدى المصريين قبل قرون مضت، ونقلوا لنا كيف أن كسوة العيد كانت من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر، وهي عادة يرجع تاريخها، حسب المصادر، إلى دولة الخلافة الإسلامية في عصور بني أمية والعباس، والتي كانت قوانينها تقضي بتوزيع الخلع (الملابس) على أرباب الوظائف في الدولة خلال شهر رمضان، وفي بعض العصور كان يوصف عيد الفطر بعيد “الحلل” أي الملابس الجديدة.

وقد أُقيمت لكسوة العيد دار تسمى “دار الكسوة”، و”دار الطراز”، وقد ذاعت شهرة دور الطراز المصرية بما أنتجته من المنسوجات الكتانية والحريرية، التي كانت تصدر في العصور الوسطى إلى العديد من الدول الإسلامية بل والأوروبية.

كما تناول الرحالة والمؤرخون من العرب والمستشرقين قصة “العيدية”، التي تُعرف بالاسم نفسه حتى اليوم في مصر وغيرها من البلدان.

وتقول المصادر التاريخية إن العيدية لفظ اصطلاحي أطلقه الناس على ما كانت توزعه الدولة من نقود في موسمي عيد الفطر وعيد الأضحى، للتوسعة على أرباب الوظائف.

وأما النقود التي كانت تُصرف بها العيدية، فهي محصورة في 3 أنواع هي: الدنانير الذهبية، والدراهم الفضية، وقطع النقود النحاسية، وأجزاؤها من الأنصاف والأرباع.

وهكذا تعددت أحاديث الرحالة والمؤرخين من العرب والمستشرقين عن احتفالات المصريين بالأعياد قديما، وجرى تخصيص فصول خاصة حول هذا الموضوع في الكثير من المصادر التاريخية العربية والأجنبية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version