الأربعاء _17 _ديسمبر _2025AH

بيانٌ حمل رسائل سياسية واضحة، وفتح الباب أمام قراءة معمّقة لدلالاته وانعكاساته المحتملة على المشهد السوداني.

وفي هذا السياق، قدّم عضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وجدي صالح، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، مقاربة تفصيلية تكشف الخلفيات السياسية للبيان وأهدافه ومساراته.

تصنيف الحركة الإسلامية.. موقف قديم بصوت جماعي

استهل وجدي صالح حديثه بالتأكيد على أن مطلب تصنيف الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني كتنظيمات إرهابية ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى ما بعد ثورة ديسمبر، حين كانت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو تنادي علناً بهذا التصنيف.

وأوضح أن هذا الموقف ظل ثابتاً حتى انقلاب 25 أكتوبر 2021، وأن الجديد اليوم هو تحوّله من موقف قوى محدودة إلى توافق جماعي واسع.

وبحسب صالح، فإن إعلان المبادئ الذي أُعلن في نيروبي لا يقتصر على القوى المشاركة في الاجتماع، بل يظل مفتوحاً أمام جميع القوى السياسية والمدنية المؤمنة بوقف الحرب وإنهائها وتحقيق التحول الديمقراطي.

ويؤكد أن الاتفاق شمل تصنيف الحركة الإسلامية والحزب المحلول بعد الثورة، إضافة إلى واجهاتهما المختلفة، كمنظومات إرهابية تتحمل مسؤولية مباشرة عما آلت إليه الأوضاع في البلاد.

أعداء السلام ومعركة الإرادة الشعبية

يرسم صالح خطاً فاصلاً بين معسكرين: معسكر يسعى إلى إنهاء الحرب، ومعسكر آخر وصفه بـ”أعداء السلام”، وهم – وفق تعبيره – من أشعلوا الحرب ويريدون استمرارها حفاظاً على مصالحهم السياسية.

ويؤكد أن القوى المدنية والسياسية ترى نفسها في موقع دعاة السلام، وتعمل على نزع أي غطاء شعبي عن طرفي الصراع المسلح.

وفي هذا السياق، شدد على أن الرهان الأساسي هو حشد أوسع جبهة شعبية ممكنة، لتجريد أطراف الحرب من أي سند اجتماعي، ودفعهم للامتثال لإرادة شعبية غالبة ترفض استمرار النزاع، وتطالب بالأمن والاستقرار ووضع حد لمعاناة السودانيين.

خارطة طريق بثلاثة مسارات متوازية

كشف وجدي صالح عن خارطة طريق واضحة المعالم، تقوم على ثلاثة مسارات متوازية لا متتابعة.

  • يتمثل المسار الأول في الهدنة والترتيبات الإنسانية، بهدف تخفيف معاناة المدنيين وضمان وصول المساعدات.
  • أما المسار الثاني فيتمثل في وقف إطلاق النار، باعتباره خطوة أساسية نحو تثبيت الاستقرار.
  • ويأتي المسار الثالث متمثلاً في إطلاق عملية سياسية شاملة تؤسس لتحول ديمقراطي حقيقي.

ويؤكد صالح أن العمل المتوازي على هذه المسارات يعكس إدراك القوى المدنية لتعقيدات الواقع، ورفضها الحلول الجزئية أو المؤجلة، مشيراً إلى أن إعلان المبادئ وخارطة الطريق يظلان قابلين للتطوير وفق ما تقتضيه تطورات المشهد.

الكلفة الإنسانية.. أرقام تكشف عمق المأساة

توقف صالح مطولا عند البعد الإنساني للأزمة، مقدّماً أرقاماً تعكس حجم الكارثة. فالحرب، بحسب حديثه، شردت أكثر من 15 مليون نازح داخل البلاد، وأجبرت أكثر من 4 ملايين سوداني على اللجوء خارجها، فيما يعاني نحو 25 مليون شخص من نقص الغذاء.

واعتبر أن هذه المؤشرات تجعل من الوضع السوداني أكبر كارثة إنسانية في العالم حالياً، ما يفرض تحركاً جماعياً عاجلاً، لا سياسياً فحسب، بل أخلاقياً وإنسانياً أيضاً.

تاريخ طويل من الإقصاء المدني

في قراءة تاريخية، أشار وجدي صالح إلى أن القوى السياسية المدنية السودانية، رغم وجودها ونضالها المستمر منذ ما قبل الاستقلال، لم تحكم البلاد إلا لفترات محدودة، في ظل هيمنة أنظمة عسكرية متعاقبة استمرت لأكثر من 58 عاماً من عمر الدولة المستقلة.

ولفت إلى أن هذه القوى تعرضت للتشريد والملاحقة، ولا تزال قياداتها تواجه اتهامات ملفقة ومحاولات إقصاء.

ورغم ذلك، يؤكد صالح أن القوى السياسية، متحالفة مع منظمات المجتمع المدني والنقابات والتنظيمات المهنية، واصلت نضالها من أجل الاستقرار والتحول الديمقراطي، في مواجهة منظومة حكم ارتكزت على التمكين والسيطرة على القرارين العسكري والأمني، خصوصاً خلال 30 عاما من حكم ما بعد انقلاب 30 يونيو 1989.

الحرب كأداة للعودة إلى السلطة

يحمل صالح الحركة الإسلامية ومشتقاتها مسؤولية السعي للعودة إلى السلطة عبر الانقلاب على المسار المدني في 25 أكتوبر 2021، بالتعاون مع قيادتي القوات المسلحة والدعم السريع.

ويذهب إلى أن فشل الانقلاب كان الدافع الأساسي لإشعال الحرب، في محاولة لتغيير الواقع السياسي والميداني، وفرض معادلة جديدة تتيح العودة إلى الحكم من بوابة الفوضى.

العدالة شرط الاستقرار

في ختام حديثه، شدد وجدي صالح على أن العدالة ليست بندا قابلا للتفاوض أو التأجيل، بل شرطا لا غنى عنه لتحقيق السلام والاستقرار.

وأكد أن إعلان المبادئ الصادر في نيروبي حمّل طرفي الحرب المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات التي طالت المدنيين، في خرق واضح للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

ويرى صالح أن النضال السياسي والمدني تراكمي بطبيعته، وأن الثورات التي شهدها السودان في أعوام 1964 و1985 و2018–2019 لم تكن أحداثاً معزولة، بل نتاج مسار طويل من المقاومة المدنية. ويخلص إلى أن الهدف النهائي هو أن تكون هذه الحرب آخر الحروب، وأن تنتهي معها حقبة الانقلابات العسكرية، ليختار الشعب السوداني، عبر انتقال ديمقراطي كامل، من يحكمه في دولة مدنية مستقرة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version