فالوعود الانتخابية هي ملمح أساسي في أي عملية ديمقراطية، إذ توظف كوسيلة مشروعة إن صدقت، لاستمالة الناخبين وجذبهم لبرامج المرشحين والأحزاب والقوى التي يمثلونها.
لكن التجربة العراقية على مدى عقدين مع انطلاق أول انتخابات تنافسية ديمقراطية في العام 2005، كشفت عن هوة عميقة بين ما يطلق خلال الحملات الانتخابية وما يتحقق بعد النصر، ما يفرز حالة من ردود الفعل والإحباط وزعزعة الثقة لدى المواطنين بالعملية السياسية.
وخاض العراق بعد العام 2003، 5 دورات انتخابية تميزت جميعها بحدة المنافسات الإعلامية وإطلاق الوعود الطموحة والرنانة من قبل الأحزاب ومرشحيها، والتي تراوحت بين تطوير الواقع الخدمي، وتوفير فرص العمل، ومكافحة البطالة والفساد، وتحقيق الأمن والاستقرار والرفاه الاقتصادي، إلا أنها في معظمها بقيت حبرا على ورق وفق مراقبين.
وأشار مراقبون إلى أن السبب في ذلك يعود بالدرجة الأولى، لهزال البرامج لدى الكتل السياسية، وهيمنة المصالح الحزبية والفئوية على حساب المصالح الوطنية العليا، علاوة عن عدم توفر آليات واضحة للمساءلة والمحاسبة بعد انتهاء الانتخابات.
وعود تتكرر
وعشية الدورة السادسة، يتكرر المشهد كما في كل دورة انتخابية حيث تطلق وعود بتوفير الكهرباء والماء الصالح للشرب وإعمار البنى التحتية وتقليص البطالة وتوفير فرص عمل للشباب، لكن وبعد مرور سنوات، لا يلمس المواطن نتائج ملموسة تذكر، ما يدفعه إلى فقدان الثقة بالمرشحين وبالعملية الانتخابية ككل، وهو ما يفسر تزايد العزوف عن المشاركة في الاقتراع.
يقول المواطن العراقي علي حسين، في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “تقريبا هي نفس الوعود نسمعها في كل انتخابات، وهو ما يعني أن غالبها لم يتحقق، بل أن الواقع يصبح أكثر قتامة في بعض الأحيان”.
بدوره يقول الصحفي والمحلل السياسي إبراهيم خضر، في حوار مع موقع “سكاي نيوز عربية” إن “غياب قوانين تلزم المرشحين بتنفيذ وعودهم الانتخابية أو على الأقل وضع جداول زمنية مدروسة علمية وعملية لتحقيقها، حوّل الحملات الانتخابية في غالبها الأعم لمسارح إطلاق شعارات فضفاضة بلا أفق وبلا دراسة، بحيث لا تعدو كونها مزاودات ومشاريع شبه وهمية هدفها دغدغة أحلام الناس واستقطابهم، بل وغشهم”.
وأضاف خضر: “من دون مؤسسات وآليات رقابية مستقلة ومنظمات مجتمع مدني فاعلة وناقدة، سيبقى المرشح يطلق الوعود على عواهنها دون أن يتحمل مسؤولية تنفيذها من عدمه”.
الآية معكوسة
وفق الباحث المتخصص في الشؤون العراقية ماهر الحمداني، فإن: “اللافت أن حملات الدعاية الانتخابية العراقية تزامنت مع حملة زهران ممداني في نيويورك، والتي قدمت بفوزه نموذجا شبه مثالي تميز بأن الناخب النيويوركي هو من موّل الحملة ودفع للمرشح كي يترشح، حيث كان الناس يدفعون إشتراكات مالية لممداني، لكونه يمثل مصلحتهم، كونهم يعرفون كيف يؤثرون سياسيا وكيف يحسّنون أوضاعهم المعيشية في الفرصة التي تأتيهم كل 4 سنوات”.
وأشار الحمداني في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى أنه “في العراق يحصل العكس، حيث وكما تفيد شهادات وتقارير صحفية متطابقة وهو ما لم يعد سرا، بقيام بعض المرشحين بدفع مبالغ أو مساعدات عينية لناخبين لقاء التصويت لهم، وهكذا تنقلب الآية، بحيث أن المرشح يغدو في حل من أمر الالتزام بتنفيذ أي من وعوده طالما أنه قد دفع مقابل التصويت له، وهكذا نغدو أمام مشهد مقلوب، وقس على ذلك”.
عزوف عن المشاركة
تراجع الإقبال على صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة في 2021، مثّل مؤشرا صارخا على تراجع ثقة الناخبين، فقد تدنت نسبة المشاركة في بعض المحافظات لنحو 30 بالمئة، وهي نسبة تعكس حالة عزوف شبه جماعي ناجمة عن خيبات الأمل المتوالية مرة بعد مرة.
وهكذا فإن ظاهرة الوعود الانتخابية غير المنجزة تبقى إحدى أكبر معوقات التطور الديمقراطي في العراق، وأحد عوامل زعزعة ثقة الناخبين به، وهو ما لا يمكن معالجته إلا من خلال تكريس آليات وثقافة المراقبة والمحاسبة، ونقد أداء المسؤولين ومتابعة تنفيذ برامجهم، وتفعيل وعي الناخب لجهة التمييز بين الشعارات الحماسية، والبرامج والمشاريع الواقعية والقابلة للتنفيذ، في ظل تعقيدات الواقع الذي تعيشه البلاد.
