الخميس _18 _ديسمبر _2025AH

فالاتفاق الذي أوقف حرباً مدمّرة امتدت لعامين لم ينجح حتى الآن في ترسيخ مسار مستقر يفضي إلى الانتقال السلس نحو المرحلة الثانية، وسط تبادل اتهامات بين إسرائيل وحركة حماس بخرق بنوده، وتباين حاد في الرؤى حول مستقبل القطاع وترتيباته الأمنية والسياسية.

وفي ظل تصاعد الضغوط الأميركية، والانقسامات والتحذيرات الأمنية داخل إسرائيل من انهيار الاتفاق، يقف المسار برمّته عند مفترق طرق بالغ الحساسية بين استكمال التهدئة أو العودة إلى مربع الحرب.

تهدئة تكتيكية بانتظار لقاء ترامب

يرى عضو المجلس الاستشاري لحركة فتح عدنان الضميري، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى في هذه المرحلة إلى إدارة تهدئة مؤقتة، هدفها الأساسي طمأنة حكومته والائتلاف اليميني المتشدد بأنه لن يتنازل أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن القضايا الجوهرية التي يقوم عليها هذا التحالف.

ووفق هذا التصور، فإن نتنياهو يحاول احتواء أي توتر داخلي إلى ما بعد لقائه المرتقب مع ترامب في 29 ديسمبر بفلوريدا، على أن يبقى خيار التصعيد قائماً في حال لم تفضِ اللقاءات إلى تفاهمات تخدم حساباته السياسية والأمنية.

اقتراح مشعل وراحة نتنياهو

يحلّل الضميري توقيت طرح اقتراح خالد مشعل المتعلق بهدنة طويلة الأمد في غزة، مع بقاء حماس في موقع إدارة الأمر الواقع، باعتباره رسالة سياسية موجهة إلى نتنياهو قبل غيره.

فالمقترح، وفق الضميري، يعرض تهدئة بلا أفق سياسي وبلا مطالب تتعلق بالدولة الفلسطينية أو تقرير المصير، وهو ما يوفّر لنتنياهو مخرجاً مريحاً لإدارة الصراع بدل حله، ويجنّبه الانخراط في مسار سياسي ملزم.

“لبننة غزة” وإدارة التهدئة

يشير الضميري إلى أن إسرائيل تعمل على «لبننة» غزة، عبر إدارة تهدئة هشة تقوم على عمليات عسكرية موضعية تنفذ تحت ذرائع أمنية متكررة، سواء لمنع إعادة بناء قدرات حماس أو بذريعة التهديدات الأمنية.

ويؤكد أن إسرائيل لا تسعى إلى إنهاء التهدئة بل إلى إدارتها وفق مبدأ «المطاردة الساخنة»، وهو نهج سبق أن أُقر حتى في اتفاق أوسلو.

ترامب.. تأجيل سياسي وترحيل الملفات

وفيما يخص الدور الأميركي، يعتقد الضميري أن الرئيس دونالد ترامب يفضّل تأجيل الملف الفلسطيني، ويركّز على تثبيت الهدوء، متجنباً الخوض في حل الدولتين، رغم كونه مطلباً مركزياً للسعودية والدول العربية، ما يعني ترحيل أي أفق سياسي إلى مرحلة لاحقة.

رسائل الداخل الإسرائيلي وحدود تأثيرها

يتوقف الضميري عند الرسالة التي وجهها قادة وضباط أمن إسرائيليون سابقون إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، موضحًا أن موقّعيها لا يشغلون مناصب رسمية حاليًا، إذ يمنع القانون الإسرائيلي الضباط العاملين من التدخل في السياسة.

ويرى الضميري أن الرسالة تعبر عن صوت محدود داخل المجتمع الإسرائيلي يتحدث عن السلطة الفلسطينية كضمانة للاستقرار، لكنه يبقى خارج التأثير الفعلي في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، والقادرة على تحجيم هذه الأصوات.

أما بشأن ترامب، فيقدر الضميري أنه لا يميل للدخول في صراع ضغط مع نتنياهو، ويتعامل مع الملف على مراحل، وسط تعثر المرحلة الثانية وغموض فكرة القوات الدولية، ما يضعه في مأزق سياسي.

السلطة الفلسطينية وغزة.. معادلة الدولة والسلاح

يؤكد الضميري أن السلطة الفلسطينية ترى استحالة قيام دولة فلسطينية بلا غزة، كما ترفض منطق “الدولة في غزة”. وفي الوقت ذاته، تتهم حماس بالمناورة السياسية مع نتنياهو.

ويشدد على استعداد السلطة لتولي الإدارة الأمنية والمدنية في القطاع وفق اتفاق أوسلو، لكنها ترفض بشكل قاطع وجود أي ميليشيات مسلحة خارج إطارها، خشية الانزلاق إلى اقتتال داخلي. من هنا، يبرز قبولها بقوات دولية ودور مصري في إدارة ملف السلاح، باعتباره مخرجاً يضمن قراراً دولياً وينظّم هذه المسألة الحساسة.

نزع السلاح شرط المرحلة الثانية

من جانبه، يضع نائب وزير الدفاع الأميركي السابق مارك كيميت نزع سلاح حماس في صلب معادلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.

ويؤكد خلال حديثه لسكاي نيوز عربيةـ، أن تحرير جميع الرهائن هو البند الأول في الاتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة وحماس، يليه وجود قوات واستقرار دولي داخل غزة بما يسمح بانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق العازلة.

ويصف كيميت نزع سلاح حماس بأنه «المرحلة الأصعب»، مشيراً إلى أن الحركة أعلنت مراراً رفضها التخلي عن سلاحها، سواء بشكل مطلق أو في ظل ما تعتبره تهديداً لوجود الفلسطينيين. ويشدّد على أنه لن يتم استكمال المرحلة الثانية في حال عدم نزع السلاح.

وقف النار بين الخطاب والواقع

يبدي كيميت تشككا واضحاً في توصيف الوضع القائم كوقف لإطلاق النار، مشيراً إلى أن القتال ما يزال متواصلاً.

وفي حال امتنعت حماس عن نزع سلاحها، يتوقع استمرار العمليات الإسرائيلية تحت عنوان مكافحة الإرهاب، بما في ذلك استهداف قادة حماس، الذين يعتبرهم أهدافاً مشروعة. ويربط وقف هذا المسار حصراً باستجابة الحركة لشروط المرحلة الأولى.

خروقات متبادلة ومسؤولية مشتركة

يتهم كيميت حماس بخرق الاتفاق عبر عدم إعادة جميع الأسرى، أحياءً وأمواتاً، لكنه يقر في الوقت نفسه بأن خروقات وقف إطلاق النار شائعة في مثل هذه الاتفاقات. ويؤكد أن إسرائيل وحماس خرقتا الاتفاق، وأن إدانة طرف دون الآخر تفتقر إلى المهنية.

وفيما يتعلق باليوم التالي، يشكك كيميت في قبول سكان غزة بعودة السلطة الفلسطينية، مستحضراً أحداث عام 2006. ويرى أن الإشكالية لا تقتصر على الرفض الإسرائيلي، بل تتصل باعتراف السلطة الفلسطينية نفسها بعدم قدرتها على السيطرة على الوضع في القطاع، ما يجعل مستقبل غزة مفتوحاً على سيناريوهات معقدة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version