الأحد _7 _سبتمبر _2025AH

بين دعوات الانفصال الصريحة وبين الدعوات للحفاظ على الوحدة، تتجلى تعقيدات سياسية واجتماعية عميقة داخل المجتمع الدرزي.

هذه الانقسامات تتداخل مع مواقف إقليمية ودولية، أبرزها موقف الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف، وموقف شيخ عقل الطائفة في سوريا حكمة الهجري، فضلاً عن المواقف اللبنانية الرسمية والشعبية، ما يجعل من السويداء نموذجاً حياً للصراع بين الهوية الطائفية والمصلحة الوطنية.

في قلب هذا الجدل، يطرح السؤال المركزي: كيف تتعامل دمشق مع هذه التحولات، وما الخيارات المطروحة أمام الحكومة السورية لضمان وحدة الدولة وحقوق الطائفة الدرزية؟

وأعلن الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، موقفه بوضوح لكنه في الوقت ذاته يحمل مسحة دبلوماسية، إذ لم يؤيد مشروع انفصال الدروز في السويداء عن سوريا، بل دعا الحكومة السورية إلى العمل على استعادة ثقة الدروز وضمان حقوقهم الدينية والسياسية.

وقال طريف إنه يأمل أن يتم إعطاء الدروز حقوقهم ضمن إطار الدولة السورية، مشيراً إلى “فرصة ذهبية” ضاعت في احتضان جميع المكونات داخل الدولة السورية ولم تتحقق.

هذا واعتبر الكاتب الصحفي السوري عهد مراد خلال حديثه إلى برنامج “الظهيرة” على “سكاي نيوز عربية” أن خطابه كان “براغماتياً ودبلوماسياً”، إذ لم يعلن صراحةً دعمه للانفصال، لكنه أشار ضمنياً إلى أن الوضع في سوريا لم يمنح الدروز فرصة كاملة لاحتضان حقوقهم.

وأضاف مراد أن طريف “لم ينخرط في موقف مباشر اتجاه قضية السويداء، بل ترك الباب مفتوحاً أمام خيارات مستقبلية ضمن إطار الدولة”.

مراد أشار كذلك إلى أن طريف، رغم البعد البراغماتي في خطابه، لا يمكن أن يكون غير متعاطف مع أهل السويداء، ما يطرح تساؤلات حول حدود تأثير خطاب طريف على المواقف المحلية داخل المحافظة.

خطاب تقرير المصير

على الطرف الآخر، جاء خطاب شيخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا، حكمت الهجري، أكثر صراحة ووضوحاً.

فقد أكد أن “تقرير المصير حق تكفله جميع المواثيق الدولية”، مشدداً على قدرة الدروز على إدارة مناطقهم بأنفسهم. هذا الموقف يعكس رفض الهجري لأي تدخل خارجي في شؤون السويداء، سواء من دمشق أو من أي قوة إقليمية، ويضع المجتمع الدرزي أمام خيار ذاتي أكثر وضوحاً.

الهجري أشار إلى أن أهالي السويداء يحتاجون إلى ضمانات سياسية وأمنية ملموسة، في ضوء الانتهاكات التي تعرضوا لها، بما في ذلك مقتل الآلاف وتهجير السكان وحرق القرى.

الجدل يمتد للبنان

لم يقتصر الجدل على الداخل السوري، بل امتد إلى لبنان، حيث حذر الحزب التقدمي الاشتراكي من أي دعوات للركون للحماية الإسرائيلية، خصوصاً بعد تصريحات موفق طريف.

ودعا الحزب إلى تعزيز المصالح بين أبناء الطائفة والعشائر العربية في سوريا، مؤكداً على أهمية الحفاظ على العلاقة مع الدولة السورية.

هذا الموقف يعكس حرصاً لبنانياً على عدم إدخال السويداء في حسابات إقليمية قد تهدد عمقها العربي ووحدة الدولة السورية.

قدم مراد قراءة متعمقة للخطابين، مؤكداً أن خطاب موفق طريف لم يكن موجهًا لدعم الانفصال، بل احتوى على بعد براغماتي يحاول الحفاظ على المسافة مع دمشق.

وأضاف مراد أن القضية الحقيقية تكمن في ما قدمته دمشق من مبادرات ملموسة لأهالي السويداء، خاصة في ظل فقدانهم الثقة بعد ما حصل.

وأكد أن أي حل مستقبلي يجب أن يكون سياسياً وأمنياً قبل أن يكون خطابياً، وأن الخطاب البراغماتي لطريف لا يغني عن خطوات عملية لإعادة الثقة.

دمشق والمرحلة الانتقالية

أكد الكاتب والباحث السياسي أدهم مسعود القاق أن الأزمة في السويداء جزء من فشل أوسع للمرحلة الانتقالية في سوريا، التي لم تتمكن من بسط السيطرة على كامل الأراضي السورية.

وأوضح أن الشرعية الممنوحة للحكومة الانتقالية لم تُترجم إلى واقع عملي، ما سمح بتعميق الانقسامات الطائفية والمناطقية.

وأشار القاق إلى أن الطائفة الدرزية ليست وحدها التي لعبت دوراً معيقاً، بل تشمل العديد من الطوائف والمكونات التي لم تندمج بعد في الدولة أو تحت لواء السلطة الانتقالية.

ورأى أن نجاح أي مرحلة انتقالية يعتمد على القدرة على الحوار مع جميع المكونات، وضمان مشاركة كاملة في القرار السياسي، بما في ذلك حماية الحقوق الدينية والسياسية للطائفة الدرزية.

القاق أكد أن الحق في تقرير المصير الذي يطرحه الهجري يطبق عادة على الشعوب المحتلة، وليس على الطوائف داخل الدولة السورية.

ويشير إلى أن الحلول العملية تبدأ بتعزيز مسار الوفاق الوطني وفتح قنوات حوار حقيقية مع جميع المكونات، لضمان اندماج السويداء الكامل في الدولة السورية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version