الأربعاء _30 _يوليو _2025AH

ويعيد هذا التوجه إلى الواجهة تساؤلات عن نوايا حماس: هل هو مسعى لتصدير أزمتها الداخلية؟ أم رهان على زعزعة استقرار الجوار العربي لخلق واقع تفاوضي جديد؟ أم أنها تستغل تعاطف الشعوب العربية لأغراض سياسية؟

دعوة إلى “الهبة”… واستياء رسمي

أثارت دعوة القيادي في حركة حماس، خليل الحية، الشعبين المصري والأردني إلى “هبة شعبية” للضغط على حكوماتهم من أجل وقف الحرب على غزة، موجة استياء رسمي واسع، خصوصًا في عمّان.

فقد أكدت مصادر أردنية لـ”سكاي نيوز عربية” أن الشعب الأردني “لا يأخذ توجيهاته من قادة فصائل فلسطينية”، معتبرة أن تصريحات الحية “مستفزة” و”تدعو للفوضى”.

الرسالة الأردنية كانت واضحة: دعم الأردن لغزة ثابت من خلال المساعدات الإغاثية، لكن لا مجال لتسييس هذا الدور أو المس بسيادة الدولة. أما القاهرة، فرغم صمتها الرسمي تجاه تصريحات الحية، جاء الرد من أعلى المستويات، عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أكد أن مصر لم تتوانَ عن إدخال المساعدات عبر معبر رفح، لكنها ملتزمة بمحددات تشغيلية ثنائية لا تتحكم بها منفردة.

ترامب يتهم حماس بـ”ابتزاز إنساني”

في المقابل، كان الموقف الأمريكي أكثر حدّة. فقد صعّد الرئيس دونالد ترامب لهجته تجاه حماس، متهمًا إياها بـ”سرقة المساعدات” واستخدام الرهائن “كدروع بشرية”، قائلاً إن التعامل معها بات “شبه مستحيل”.

وأضاف أن هناك خططًا جديدة يجري إعدادها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد تتضمن آليات بديلة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.

هذه التصريحات، إلى جانب الاتهامات الغربية المتكررة لحماس بتقويض المساعي الإغاثية، تضع الحركة في موقف حرج أمام المجتمع الدولي، وتزيد من حدة الاستقطاب حولها.

هل تدعو حماس للفوضى فعلاً؟

دافع أستاذ العلوم السياسية، الدكتور أمجد شهاب، خلال مشاركته في برنامج التاسعة على “سكاي نيوز عربية” عن تصريحات الحية، واعتبر أن “هناك سوء فهم للخطاب”، موضحا أن ما قصده القيادي في حماس هو “الدعوة إلى مظاهرات سلمية”، وليس إلى فوضى أو إسقاط أنظمة.

وقال شهاب إن “حماس تشعر بأن الجميع تخلى عن غزة، وتريد تحريك الشارع العربي لكسر صورة العجز”.

وبينما اعترف شهاب بأن هناك “سوء استخدام للمصطلحات”، شدد على أن حماس لا تسعى إلى تقويض استقرار الدول العربية، بل إلى كسر الحصار المفروض على القطاع منذ نحو عقدين.

وأضاف: “لا مصلحة لحماس في الدخول في صراع مع الأردن أو مصر. الخطاب انطلق من إحساس عميق بالتخلي الكامل عن غزة، في ظل صمت عربي ودولي تجاه المجازر المستمرة.”

أزمة الداخل تُصدَّر للخارج؟

لكن السؤال يبقى مطروحًا: لماذا تحرص حماس على تحريك الشارع العربي بدل التركيز على أدواتها في الداخل الفلسطيني؟ هل هو عجز ميداني أم مناورة سياسية؟
وفق محللين، فإن الضغط الداخلي على حماس بلغ ذروته منذ بداية الحرب، خاصة مع تفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع، واستمرار القصف الإسرائيلي المكثف،

وغياب أفق سياسي واضح. وفي ظل تآكل قدرة حماس على حماية المدنيين، تسعى الحركة إلى تصدير الأزمة نحو الخارج، عبر خطاب عاطفي يُراهن على تعاطف الشعوب العربية، مع إدراكها لصعوبة تحركات الشارع العربي في بيئات سياسية وأمنية مغلقة.

حماس وخيار “تسييس التعاطف”

يشير بعض المراقبين إلى أن حماس تستخدم تعاطف الشارع العربي كأداة ضغط سياسي على الأنظمة، في ظل تعثر مفاوضات التهدئة وتزايد الحديث عن “خريطة إعادة الإعمار” ما بعد الحرب، التي قد تهمّش دور الحركة بالكامل.

وفي هذا السياق، رأى شهاب أن حماس وافقت سابقًا على لجنة الإسناد المجتمعي المقترحة من مصر والجامعة العربية، وأنها لا تمانع إشراف السلطة الفلسطينية على إدارة القطاع، لكن المشكلة تكمن في غياب إرادة دولية حقيقية لفرض هذا السيناريو على إسرائيل، التي تواصل – بحسب قوله – قصفها الممنهج بهدف “تهجير السكان” وتدمير “مقومات الدولة الفلسطينية”.

الانقسام الفلسطيني يطفو مجددًا

المفارقة أن خطاب حماس لا يقتصر على مخاطبة الشارع العربي، بل يتضمن انتقادات مبطنة للسلطة الفلسطينية أيضًا، خاصة في سياق فشلها في فرض سيادتها حتى في الضفة الغربية.

وأشار شهاب إلى تصريحات الرئيس محمود عباس نفسه، الذي قال أمام الأمم المتحدة إن السلطة الفلسطينية “تعيش تحت بساطير الاحتلال” ولا تملك سلطة حقيقية.

ووفق شهاب، فإن فشل مشروع الدولة لا يعود إلى حماس فقط، بل إلى رفض السلطة لأي شراكة حقيقية مع باقي الفصائل، في ظل غياب الانتخابات منذ أكثر من 20 عامًا.

ورقة الأسرى… أداة التفاوض الوحيدة

ومن بين أبرز النقاط التي دافع بها شهاب عن حماس، هي استخدامها لـ “ورقة الأسرى” باعتبارها “الوسيلة الوحيدة” لفرض التفاوض على إسرائيل، بعد فشل كل الوساطات الأخرى.

وقال:”من دون ورقة الأسرى، لم تكن إسرائيل ولا أمريكا ستجلس مع حماس. لقد أجبرتهم حماس على التفاوض، لأنها تعرف أن إسرائيل لا تتراجع إلا تحت الضغط.”

وأضاف أن تسليم حماس لسلاحها “دون مقابل سياسي حقيقي” لن يؤدي إلا إلى مزيد من المجازر، مستشهدًا بما حدث في صبرا وشاتيلا عام 1982، ومجازر البوسنة والهرسك، حين ترك المدنيون بدون حماية فوقعوا ضحية التطهير العرقي.

 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version