هذه الخطوة، التي تتزامن مع مساعي وقف الحرب في غزة والحديث عن مستقبل القيادة الفلسطينية، ليست مجرد مصالحة عابرة، بل هي مناورة استراتيجية تهدف لتقوية الصف الداخلي قبل الدخول في أصعب مرحلة.
مفاوضات ترامب والخط الأحمر الفلسطيني
تحلل عودة القدوة في سياق المفاوضات الجارية حول خطة ترامب لوقف إطلاق النار في غزة. يرى القدوة بوضوح أن مصير هذه المبادرة يعتمد على الإرادة الأميركية، وليس على تعهدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
فمحاولات نتنياهو ربط الانسحاب الكامل بعودة آخر رهينة، أو غياب قادة الوفد الإسرائيلي عن المفاوضات، تُفسر بأنها محاولات لعرقلة الاتفاق.
لكن الموقف الأكثر حزما للقدوة يتعلق بالرفض المطلق لأي وصاية خارجية على القطاع.
تشبيهه لاقتراح تعيين توني بلير حاكماً لغزة بـ”الانتداب البريطاني” يضع خطا أحمر وطنيا أمام أي ترتيبات تسعى لتجريد الفلسطينيين من سيادتهم على أراضيهم، وهو شرط أساسي لشرعية أي قيادة فلسطينية مستقبلية.
أجندة الإصلاح: تحضير لـ”ما بعد عباس”
لا يمكن فصل عودة القدوة، بعد سنوات من إبعاده، عن عملية إعادة هيكلة القيادة التي تشهدها فتح، والتي تضمنت تعيين حسين الشيخ نائباً للرئيس.
هذا الترتيب يشير إلى أن الحركة تسعى لتوسيع دائرة القيادة واستيعاب الشخصيات ذات الثقل والتاريخ، تحضيراً لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس.
يأتي القدوة حاملا أجندة إصلاحية قوية تهدف لاستعادة ثقة الشارع، أبرزها:
- المحاسبة والفساد: شدد القدوة على أن المحاسبة على الفساد أمر “ضروري ومهم جداً” لاستعادة الثقة المفقودة بين الشعب والقيادة، وهو ما يجعله يمثل تيار المراجعة والتجديد داخل الحركة.
- الانتخابات كحل: يرى القدوة أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية هي “الحل الحقيقي” للأزمات الداخلية. لكنه يقدم اقتراحاً جذرياً: فصل مهام السلطة الفلسطينية عن منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف). هدفه هو إبقاء منظمة التحرير، كممثل شرعي، فوق الصراعات الحزبية للسلطة، وفتح الباب أمام أحزاب جديدة لدخول الانتخابات، مما يضمن تجديداً حقيقياً للقيادة.
الرؤية الجديدة للتعامل مع حماس: من السيطرة إلى الحزب السياسي
أحد أهم محاور رؤية القدوة هي مستقبل العلاقة مع حركة حماس. في الوقت الذي يرفض فيه منطق إقصاء حماس كلياً من المشهد، يعتبر أن شرط دمجها في الحياة السياسية هو إنهاء سيطرتها الأمنية والإدارية والسياسية على قطاع غزة.
يقترح القدوة أن تتحول حماس إلى حزب سياسي غير مسلح، مؤكداً أن هذا هو المخرج الوحيد لإنهاء الانقسام واستيعاب الحركة ضمن إطار وطني ديمقراطي موحّد.
هذا الطرح يمثل محاولة عملية للتوصل إلى حل يوازن بين الرفض الدولي لوجود حماس المسلح، والحاجة الوطنية إلى إنهاء حالة الانقسام الداخلي.
ماذا يعني نجاح أو فشل خطة ترامب بالنسبة للقدوة؟
في حال فشل المبادرة: يتوقع القدوة أن يؤدي ذلك إلى “انفجارات أخرى على الأرض”. هذا السيناريو سيعزز الحاجة إلى قيادة موحدة قادرة على مواجهة الفوضى، مما قد يسرّع من تولي القدوة دوراً قيادياً بصفته رمزاً للإصلاح.
في حال نجاح المبادرة: سيؤدي ذلك إلى البدء في تطبيق بند “إصلاح السلطة الفلسطينية”. عندئذ، ستكون أجندة القدوة الإصلاحية (الانتخابات والمحاسبة) هي البرنامج العملي المطلوب تنفيذه، مما يمنحه شرعية أكبر في إدارة المرحلة الانتقالية.
باختصار، عودة ناصر القدوة هي مؤشر على أن “فتح” بدأت فعلياً الاستعداد للمستقبل، حيث يعود القدوة ليكون صوت المراجعة والتجديد، حاملاً معه مخططاً استراتيجياً للإصلاح الداخلي وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني في مواجهة التحديات الخارجية غير المسبوقة.