الأربعاء _28 _مايو _2025AH

وبينما تواصل آلة الحرب الإسرائيلية قصفها المكثف للأحياء المدنية والبنى التحتية، تتعدد القراءات حول دوافع تل أبيب للإصرار على استمرار العمليات العسكرية، في مقابل إجماع دولي آخذ في الاتساع يطالب بوقف الحرب.

وتتعاظم التساؤلات حول مآلات هذا التصعيد وحدود قدرة إسرائيل على الاستمرار في تجاهل نداءات المجتمع الدولي.

تصعيد عسكري غير مسبوق

كثفت إسرائيل غاراتها الجوية والبرية على قطاع غزة، مستهدفة مراكز حيوية ومخيمات مكتظة بالسكان، ما أدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين بشكل كبير.

وتزامن ذلك مع نشر تعزيزات عسكرية جديدة على حدود القطاع، في مؤشر واضح على نية تل أبيب مواصلة الحملة العسكرية. وقد أعلنت القيادة العسكرية الإسرائيلية عن “المرحلة الحاسمة من الحرب”، في تحدٍ صريح لأي جهود تهدئة.

إسرائيل تقاتل على جبهتين

الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، مائير كوهين، اعتبر خلال حديثه إلى “غرفة الأخبار” على “سكاي نيوز عربية” أن تل أبيب تخوض الآن حربا مزدوجة: الأولى عسكرية ضد حركة حماس في غزة، والثانية سياسية ضد المجتمع الدولي.

وأوضح كوهين في تصريحاته أن “الحكومة الإسرائيلية ترى في استمرار الضغط العسكري الوسيلة الوحيدة لتحجيم نفوذ حماس، وهي لا تكترث حاليا بالضغوط الأوروبية أو حتى الأميركية، ما دام الرأي العام الإسرائيلي يدعم العمليات العسكرية”.

ورغم اعترافه بوجود خلافات داخل المؤسسة الأمنية حول مدى نجاعة هذه الحملة الطويلة، إلا أن كوهين أشار إلى أن “القيادة السياسية تعتقد أن التراجع الآن سيُفهم كضعف، خصوصا في ظل أجواء التوتر الإقليمي”.

من جهته، يرى الكاتب والباحث السياسي، نضال خضرة، أن التصعيد العسكري الحالي هو انعكاس لأزمة داخلية إسرائيلية متراكمة.

وأكد خضرة أن “الحكومة الإسرائيلية، بقيادة نتنياهو، تحاول توظيف الحرب لأهداف سياسية داخلية، في مقدمتها ترميم شعبيته المتآكلة، وتجاوز أزماته القضائية”.

وأضاف أن “الخطاب الإسرائيلي بات أكثر راديكالية، مع غياب أي صوت عاقل داخل المشهد السياسي يدعو لوقف القتال أو النظر في حلول سياسية”.

ولفت إلى أن “استمرار الحرب رغم المجازر المتكررة، يكشف عن غياب كامل لأي استراتيجية طويلة الأمد لدى إسرائيل، باستثناء خيار القوة الغاشمة”.

تل أبيب تراهن على الزمن والإنهاك

اعتبر الكاتب والصحفي محمد قواص، أن إسرائيل تعتمد في هذه المرحلة على ما يسميه بـ”تكتيك الإنهاك المزدوج”، أي إنهاك الجبهة الداخلية في غزة وإنهاك الإرادة الدولية بالوقت.

وقال قواص إنه “كلما تأخرت الدعوات الدولية في التحول إلى قرارات تنفيذية ملزمة، شعرت إسرائيل بارتياح أكبر لمواصلة حربها”.

وتابع: “من الواضح أن واشنطن لم تُفعّل بعد أدوات الضغط الحقيقية على إسرائيل، وهو ما يسمح لتل أبيب بتجاهل البيانات الدولية والاستمرار في تنفيذ أجندتها العسكرية”.

وأشار إلى أن المعضلة الأكبر تكمن في غياب أفق سياسي، ما يعني أن الحرب ستظل مفتوحة على المجهول.

أما هبة القدسي، مديرة مكتب صحيفة الشرق الأوسط في واشنطن، فأشارت إلى وجود انقسام داخل الإدارة الأميركية بشأن كيفية التعامل مع التصعيد الإسرائيلي.

وقالت القدسي إن “الرئيس ترامب يواجه ضغوطا متزايدة من الكونغرس والرأي العام لوقف الدعم غير المشروط لإسرائيل، لكن البيت الأبيض لا يزال يراهن على قدرة تل أبيب في الحسم السريع”.

وأضافت القدسي أن “الدوائر الدبلوماسية في واشنطن تشعر بالإحباط من عدم تجاوب إسرائيل مع الدعوات المتكررة للتهدئة، ما دفع وزير الخارجية إلى التحذير، خلف الأبواب المغلقة، من أن استمرار الحرب قد يضر بمصالح واشنطن في المنطقة”.

موقف دولي رافض وبيئة إقليمية متأججة

مع تزايد حجم العمليات في غزة وارتفاع حصيلة القتلى والجرحى، أبدت العديد من الدول الأوروبية والعربية رفضها القاطع لاستمرار العمليات العسكرية، محذّرة من تداعيات إنسانية كارثية.

كما دعت الأمم المتحدة إلى وقف فوري لإطلاق النار، فيما عبّرت منظمات حقوقية دولية عن قلقها البالغ من الانتهاكات المتكررة لقواعد القانون الدولي الإنساني.

يبدو أن إسرائيل تتجه نحو تعميق مأزقها العسكري والسياسي من خلال تجاهل الضغوط الدولية والمضي قدما في حرب تستنزف الجميع. 

وبينما تتعالى الأصوات الداعية إلى وقف الحرب وإنقاذ المدنيين، لا تزال الحكومة الإسرائيلية تراهن على الزمن والتصعيد، لكن المؤكد أن استمرار هذه الاستراتيجية لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة الدولية، وربما انفجارا أكبر في المشهد الإقليمي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version