الخميس _23 _أكتوبر _2025AH

فبينما تواصل تلك الفصائل تعزيز قدراتها العسكرية، تتسارع الجهود الإقليمية والدولية لاحتواء نفوذها ونزع سلاحها في خطوة تراها واشنطن والعواصم العربية شرطاً أساسياً لإعادة بناء الدولة الوطنية.

غير أن مساعي احتواء هذه الميليشيات تواجه تحديات جسيمة، إذ لا تقتصر قوتها على ترسانتها العسكرية فحسب، بل تمتد إلى النفوذ السياسي والاجتماعي في مجتمعاتها المحلية، ما يجعل أي خطوة لإضعافها أو دمجها ضمن الدولة عملية معقدة وحساسة.

وفي الوقت ذاته، تتباين مواقف القوى الإقليمية والدولية، بين داعم لنهج “الضغط والمواجهة” وآخر يفضل “التسوية والاندماج”، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى استراتيجية موحّدة تحقق الاستقرار الشامل وتعيد الدولة إلى قلب المشهد السياسي في الشرق الأوسط.

ويبقى نزع سلاح حماس وهروب حزب الله من أي خطوات مماثلة ملفاً غامضاً وملتبساً في المشهد الإقليمي.

ففي حين تتعرض حماس لضغوط عربية ودولية للحد من ترسانتها الصاروخية وتخفيف حضورها العسكري، تواصل الحركة التحايل على هذه المحاولات عبر استراتيجيات تفاوضية دقيقة، تجعل أي خطوة ملموسة نحو نزع السلاح مشروطة بتحقيق مكاسب سياسية وأمنية.

وبالمقابل، يبدو حزب الله أقل قابلية للضغط الخارجي، مستفيدا من موقفه السياسي الراسخ في لبنان ودعمه الإقليمي، ما يجعله يتصرف وكأنه فوق القوانين الدولية والمحلية، وهو ما يسبب حالة من الغموض والتعقيد في أي محاولة لإعادة فرض سيادة الدولة على هذه الميليشيات.

غزة

تظل حركة حماس لاعباً محورياً في معادلة غزة، حيث تجمع بين البعد العسكري والسياسي والاجتماعي، ما يجعلها قوة لا يستهان بها داخل القطاع وخارجه.

ومع استمرارها في تعزيز ترسانتها الصاروخية وتوسيع شبكة نفوذها، تواجه محاولات الدول العربية والدولية للضغط عليها والتفاوض بشأن نزع السلاح وتخفيف التوترات، في حين تحاول الحركة الحفاظ على مكتسباتها السياسية والأمنية وتثبيت صورتها كحامٍ لمصالح الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل.

بيروت

أما حزب الله اللبناني فيمثّل نموذجاً آخر للميليشيات المسلحة التي تتجاوز حدود الدولة، فهو يملك قدرات عسكرية متقدمة وشبكة واسعة من النفوذ السياسي والاجتماعي داخل لبنان.

دعم إيران المستمر للحزب أسهم في تعزيزه كقوة إقليمية، ما يثير توتراً مستمراً مع الدولة اللبنانية ومع القوى الإقليمية والدولية التي تسعى للحد من تأثيره.

هذا التوازن بين القوة العسكرية والنفوذ السياسي يجعل من أي محاولة لنزع سلاحه أو إعادة دمجه ضمن الدولة مسألة شائكة تتطلب مقاربات دقيقة وحساسة.

صنعاء

تمثل ميليشيات الحوثي في اليمن نموذجاً آخر للقوة المسلحة الخارجة عن إطار الدولة، حيث تمكنت من السيطرة على مساحات واسعة في شمال اليمن وفرض نفوذها على المؤسسات المحلية والخدمات الأساسية.

اعتمادها على الدعم الخارجي، خصوصاً من إيران، أسهم في تعزيز قدراتها العسكرية وتمكينها من خوض مواجهات طويلة الأمد مع الحكومة اليمنية والتحالفات الإقليمية.

هذا النفوذ المتنامي يجعل أي مسعى لإعادة الدولة اليمنية إلى سلطة مركزية موحدة عملية صعبة ومعقدة، ويؤثر بشكل مباشر على استقرار المنطقة بما يتجاوز حدود اليمن إلى مياه البحر الأحمر والخليج العربي.

بغداد

وفي العراق، تواجه الحكومة ضغوطاً أميركية مكثفة لنزع سلاح الميليشيات الموالية لإيران التي تهدد السيادة والأمن الداخلي، فيما تبرر تلك الجماعات تمسكها بالسلاح بذريعة “المقاومة”.

من بيروت، أكد الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خليل الحلو في مقابلة مع “سكاي نيوز عربية” أن الحديث عن نزع سلاح الميليشيات دخل مرحلة جديدة تتسم بالجدية، لكنها محفوفة بالعقبات.

وقال الحلو:

  • “في هذه المرحلة يمكن الحديث عن قرار أميركي ودولي مدعوم عربياً لنزع سلاح الميليشيات، لكن التنفيذ يحتاج وقتاً وجهداً كبيرين”.
  • “نزع السلاح المقصود لا يشمل الأسلحة الفردية المنتشرة في المنازل، بل يقتصر على الأسلحة الثقيلة كالصواريخ والمدافع والطائرات المسيّرة”.
  • “التحدي الحقيقي يكمن في تفكيك التنظيمات وتسريح المقاتلين، لأن أي مجموعة مسلحة—even بأسلحة خفيفة—يمكن أن تهدد الاستقرار وتسيطر على مناطق حيوية”.
  • “في غزة، نُفذ الشق الأول من الاتفاق بعد الحرب، لكن حماس ترفض نزع سلاحها رفضاً قاطعاً، رغم أن ذلك بند أساسي في الخطة الأميركية”.
  • “الإمدادات الإيرانية للميليشيات تراجعت، فإيران تعاني أزمة اقتصادية خانقة، ولم تعد قادرة على دعم حلفائها كما في السابق”.
  • “الحديث عن دمج عناصر حزب الله في الجيش اللبناني مستحيل؛ فالجيش مؤسسة وطنية ذات عقيدة وولاء للدولة لا يمكن خلطها بولاءات أيديولوجية”.
  • “التجربة العراقية أثبتت فشل فكرة إخضاع الميليشيات نظرياً لوزارتي الدفاع والداخلية، إذ بقيت تأتمر بأوامر طهران”.
  • “في لبنان، هناك قرار داخلي قبل أن يكون خارجياً لنزع سلاح حزب الله، لكنه يصطدم بعوامل سياسية معقدة وبطء في التنفيذ”.
  • “إسرائيل تكثف غاراتها وتحليق مسيّراتها فوق الأراضي اللبنانية، ما يرفع احتمالات اندلاع حملة جوية مكثفة، وإن كنت أستبعد حرباً برية”.

ويرى مراقبون أن ملف السلاح غير الشرعي لم يعد شأناً محلياً، بل أصبح قضية إقليمية تمس توازن القوى في الشرق الأوسط. وبينما تسعى بعض القوى لدمج هذه الفصائل أو تحويلها إلى أحزاب سياسية، يحذر خبراء من أن ذلك قد يعزز الانقسام ويؤجل تفكيك منطق الميليشيا لصالح الدولة.

في المحصلة، يبدو أن العد التنازلي لنزع السلاح قد بدأ فعلاً، لكن الطريق أمامه طويل وشائك، في منطقة تعيش على إيقاع توازن هش بين منطق القوة وسعي الشعوب لاستعادة دولها المختطفة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version