الجمعة _19 _سبتمبر _2025AH

وبينما تحاول إسرائيل فرض معادلة ميدانية جديدة عبر تكثيف العمليات العسكرية، تلوّح حماس بقدرتها على استخدام الرهائن كورقة ضغط استراتيجية، قادرة على جر إسرائيل إلى مواجهة طويلة الأمد، سياسية وعسكرية، تحمل في طياتها تداعيات على الداخل الإسرائيلي والمنطقة برمتها.

تشير التقارير الميدانية إلى أن الجيش الإسرائيلي صعّد عملياته بشكل واضح في مختلف مناطق غزة، مستهدفاً البنية التحتية ومواقع يشتبه بوجود عناصر مسلحة فيها.

ووفق التقديرات الإسرائيلية، يهدف هذا التصعيد إلى إضعاف القدرات العسكرية لحماس وإجبارها على تقديم تنازلات في أي مفاوضات مستقبلية.

على الجانب الآخر، تتبنى حماس خطاباً مزدوجاً يجمع بين الصمود الميداني والضغط السياسي. ففهمها العميق لحساسية الرهائن الإسرائيليين يجعلها تستخدم هذه الورقة الثمينة لابتزاز إسرائيل سياسياً وإجبارها على إعادة حساباتها، لا سيما في ظل الضغوط الشعبية الداخلية التي تمارسها عائلات الرهائن والرأي العام الإسرائيلي.

يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، جهاد الحرازين، خلال حديثه لـ”الظهيرة” على سكاي نيوز عربية، أن الرهائن يشكلون أحد أهم عناصر الردع بيد حماس.

فهي، بحسب الحرازين، تمتلك القدرة على قلب المعادلة السياسية والأمنية، ووضع إسرائيل أمام تحدٍ داخلي ضاغط من قبل الشارع والإعلام.

ويؤكد الحرازين أن إسرائيل تجد نفسها في مأزق مزدوج: فهي لا تستطيع التراجع عن العمليات العسكرية التي تعتبرها ضرورية، وفي الوقت نفسه لا تستطيع تجاهل قضية الرهائن التي تصدرت المشهد السياسي والإعلامي.

من جانبه، يرى إبراهيم المدهون، مدير مؤسسة “فيميد” الإعلامية، أن قضية الرهائن تتجاوز كونها وسيلة ضغط، لتصبح أداة استراتيجية يمكن أن تغير مجرى الصراع برمته.

ويشير المدهون إلى أن إسرائيل قد تقع في فخ استنزاف طويل الأمد إذا تمسكت بالحل العسكري وتجاهلت البعد الإنساني للملف، مؤكداً أن حماس تدرك حساسية الرأي العام الإسرائيلي تجاه هذا الملف وتستغلها لتعزيز شروطها في أي مفاوضات.

التحديات الداخلية للحكومة الإسرائيلية

تواجه حكومة نتنياهو ضغوطاً متزايدة من الداخل. المعارضة تتهمها بالعجز عن إدارة الملف بطريقة تضمن عودة الرهائن سالمين، بينما يرى الشارع أن استمرار العمليات العسكرية يهدد حياة هؤلاء الرهائن.

هذا التناقض يضع القيادة الإسرائيلية أمام سؤال استراتيجي: هل تستمر في التصعيد مهما كان الثمن، أم تبحث عن مخرج سياسي يضمن استعادة الرهائن؟

بالنسبة لحماس، يمثل الحفاظ على الرهائن توازناً حساساً. فهي لا ترغب في فقدان هذه الورقة عبر عمليات إسرائيلية قد تعرض حياتهم للخطر، لكنها في الوقت نفسه تحتاج لها لتعزيز موقعها التفاوضي.

ويصف المدهون هذه الاستراتيجية بأنها تعتمد على “الوقت”، أي إطالة أمد المواجهة لإرهاق إسرائيل سياسياً وعسكرياً.

الضغط الدولي على إسرائيل

تصاعدت الدعوات الدولية لوقف العمليات العسكرية مع استمرار صور الدمار في غزة. ورقة الرهائن تتحول هنا إلى عامل إضافي يعقد موقف إسرائيل أمام المجتمع الدولي، الذي يطالب بتدخل عاجل لضمان سلامة المدنيين والرهائن على حد سواء.

من منظور فلسطيني، تعتبر حماس أن إدارة ملف الرهائن بنجاح يمكن أن يمنحها زخماً سياسياً إقليمياً، خصوصاً إذا استطاعت فرض شروط إنسانية أو سياسية عبر وساطات عربية ودولية.

ويرى الحرازين أن هذا العامل قد يغير معادلة القوة الإقليمية ويعطي حماس هامشاً أكبر في أي تسوية مستقبلية.

الرهائن.. كابح للتصعيد أم مدخل لاستنزاف طويل الأمد؟

يعتقد الحرازين أن وجود الرهائن بيد حماس يجبر إسرائيل على التمهل في التصعيد العسكري، فهو بمثابة “كابح” يمنع الجيش الإسرائيلي من المضي قدماً بشكل متهور، حتى لو حاولت تلبيس هذا التقييد صورة تصعيد مستمر.

في المقابل، يوضح المدهون أن حماس قد تستغل الرهائن لتحويل المواجهة إلى حرب استنزاف طويلة، ما يزيد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية داخلياً، ويدفعها في نهاية المطاف لتقديم تنازلات لم تكن واردة في الحسابات العسكرية الأصلية.

السيناريوهات المحتملة لمستقبل ملف الرهائن:

  • صفقة تبادل: يبقى السيناريو الأكثر ترجيحا، وفق مراقبين، هو التوصل إلى صفقة تبادل تنهي أزمة الرهائن مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، وهو ما أشارت إليه تصريحات المدهون حول استعداد حماس لاستخدام الورقة في المفاوضات.
  • استمرار التصعيد: في حال تجاهلت إسرائيل الضغوط الداخلية والدولية، سيستمر التصعيد العسكري، ما قد يعرض حياة الرهائن للخطر ويحول الملف إلى عبء إضافي على الحكومة الإسرائيلية.
  • تدخل دولي مباشر: قد تلجأ أطراف دولية إلى مبادرات وساطة مباشرة، كما يشير الحرازين، للضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات والحد من التصعيد، مع مراعاة البعد الإنساني للرهائن.

تكشف قضية الرهائن عن هشاشة الحسابات الإسرائيلية وصعوبة الموقف الفلسطيني في آن واحد. فالرهائن يشكلون في الوقت ذاته كابحاً للتصعيد وأداة لاستنزاف طويل الأمد.

ما بين تحليل الحرازين الذي يركز على دورهم كعنصر ضبط للتصعيد، ورؤية المدهون التي تراهم جزءاً من استراتيجية استنزاف إسرائيل، يبقى مستقبل الملف مفتوحاً على جميع الاحتمالات.

لكن المؤكد أن أي تسوية أو تهدئة مستقبلية لن تتحقق دون المرور أولاً عبر عقدة الرهائن، التي تمسك حماس بخيوطها بدقة استراتيجية عالية، مؤثرة على المشهد الميداني، السياسي، والإقليمي في آن واحد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version