الأربعاء 18 جمادى الأولى 1446هـ

جنوب لبنان– تشهد مناطق الجنوب اللبناني تصعيدا لافتا في العمليات العسكرية يوما بعد آخر، مما فرض واقعا تعليميا جديدا على طلابها. فالقطاع التربوي في لبنان، الذي يعاني فعليا أزمة، يجد نفسه اليوم في ظل العدوان الإسرائيلي أمام أزمة أكثر تعقيدا.

على مدار 6 أشهر منذ بدء التصعيد في المناطق الحدودية ارتباطا بعملية طوفان الأقصى وما أعقبها من عدوان إسرائيلي على غزة، تنعدم إمكانية الحياة في القرى الأمامية، ومع حركة النزوح الكثيفة تتعطل العملية التعليمية في المدارس الرسمية والخاصة معا، حتى في المناطق النائية نسبيا بمسافة تقدر بنحو 8 كيلومترات، نتيجة للمواجهات المباشرة مع إسرائيل.

وقد تسبب العدوان في تقسيم طلاب الجنوب إلى عدة فئات، فمنهم من اضطر لترك القرية والانتقال إلى مدارس في مناطق النزوح، حيث يتلقى التعليم عن بُعد، ومنهم من نزح ولم يتمكن من الانضمام إلى أي مدرسة. وقلة من التلاميذ فضلت أسرهم البقاء، فبقوا من دون تعليم بعد إغلاق المدارس.

وزارة التربية اللبنانية سلمت لوحا إلكترونيا واحدا لعائلة النازح أبو حسن ليتعلم من خلاله 3 من أطفاله عن بعد (الجزيرة)

إجراءات غير مجدية

أمام هذا الواقع، وجد مصطفى السيد أبو حسن، النازح من بلدة بيت ليف، نفسه مع عائلته المكونة من زوجتين و11 طفلا، في مركز إيواء في مدينة صور، وسط غموض يلف مصير أطفاله على المستوى التعليمي.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال أبو حسن بحزن “4 من أبنائي لا أعرف مصير تعليمهم؛ منذ بداية العام الدراسي، لم يحضروا أي صف تعليمي بسبب العدوان بعدما أغلقت المدرسة أبوابها، وأتينا إلى هنا”.

وأضاف “ابنتي الكبرى مريضة بالسكري، وعندما نزحنا توقفت نهائيا عن الدراسة، والثانية تدرس ساعة واحدة في النهار عن بُعد، بينما ابني حسن المفترض أن يكون في الصف الرابع، ولكنه لا يزال في الثاني، وابنتي الصغيرة إيلين ما زالت في الصف الأول، رغم أنها يجب أن تكون في الثاني”.

وتابع “لديهم الآن تعليم عن بُعد، حيث وزعت وزارة التربية جهاز تابلت واحد على الثلاثة ليتعلموا، إضافة إلى بطاقة إنترنت شهرية، ولكن تغطية الإنترنت ضعيفة جدا”.

وأشار إلى أن تجربة التعليم عن بعد في لبنان لا تجدي نفعا، ومصير أطفاله صار مجهولا، وأردف “بالإضافة إلى مصيرهم التعليمي المجهول، تأثرت حالتهم النفسية كثيرا، وأحيانا يعانون من حالة هلع وخوف في الليل، خاصة في فصل الشتاء عندما يسمعون صوت الرعد يعتقدون أنه قصف، كما أن سلوكياتهم تغيرت بشكل ملحوظ”.

معاملة خاصة

وفي هذا السياق، أوضح رئيس رابطة معلمي التعليم الأساسي في لبنان الأستاذ حسين جواد أن هناك مدارس في الجنوب ما زالت تمارس التعليم الحضوري، بينما هناك مدارس أخرى قد أُغلقت، وتحديدا المدارس الموجودة في الشريط الحدودي على عمق يقارب 8 كيلومترات، والمعروفة باسم المنطقة الواقعة في نطاق قواعد الاشتباك.

وقال جواد للجزيرة نت، بالنسبة للمناطق كصور والنبطية، فإن جميع المدارس التي تقع بعد هذا الخط شمالا مفتوحة بشكل حضوري، وتقدم التعليم يوميا بشكل طبيعي، وحتى عند وقوع بعض الاعتداءات أحيانا أو وجود خرق لجدار صوت وما شابه، فإن التعليم يظل مستمرا من دون توقف. وأوضح أنه قد يكون هناك خوف في بعض الأحيان، ولكن التعليم يستمر بشكل عادي.

وأضاف جواد “وبالنسبة لطلاب الجنوب في المناطق المتاخمة للحدود، فهم لم يتلقوا الدراسة حضوريا في الأيام الأولى بسبب العملية العسكرية التي بدأت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكان من المقرر أن تبدأ المدارس في 9 منه. بمجرد بدء العملية، تم إغلاق هذه المدارس على الفور، ومن ثم توسعت دائرة الاعتداءات والإغلاقات تدريجيا من الجنوب إلى الشمال.

وفي ما يتعلق بالشهادات الرسمية لطلاب الجنوب، أكد جواد “سيتم إجراء الامتحانات مع مناهج مخففة لهم في المراحل الثانوية والمتوسطة. وستكون أسئلتهم مختلفة عن أسئلة الامتحانات العادية”.

وتابع المتحدث ذاته أن هذا الموضوع مرهون أولا بموافقة مجلس الوزراء على اقتراح الوزير بإلغاء امتحانات التاسع الأساسي أو الشهادة المتوسطة والاستعاضة عنها بامتحان موحد، وسيتم تقديم الأسئلة لهذا الامتحان من قبل المركز التربوي للبحوث والتنمية، وستكون الأسئلة موحدة لجميع طلاب الشهادة المتوسطة الذين سيخضعون لامتحاناتهم في صفوفهم وفي مدارسهم.

ولفت جواد إلى أن “المخاوف التي يعاني منها الطلاب خلال فترة الامتحانات أمر طبيعي، ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. ينبغي للوزارة توفير كل التسهيلات والدعم لطلاب المناطق المتضررة والمناطق الحدودية في الجنوب، وأن تأخذ في اعتبارها وضعهم التعليمي والأكاديمي والنفسي، وتجب معالجة الخوف والقلق بعناية”.

الفترة الراهنة التي يعيشها الأطفال تترك آثارا سلبية شاملة على حياتهم (الجزيرة)

ضغوط نفسية

وفي ظل العدوان الإسرائيلي المستمر، يعاني سكان المناطق المتضررة ضغوطا متزايدة ومزدوجة، فهم يشعرون بالقلق بشأن مستقبل العام الدراسي لأولادهم، وفي الوقت نفسه، يجدون أنفسهم محاصرين في دوامة الضغوط النفسية نتيجة للأحداث القاسية التي عاشها أطفالهم.

وتشير المستشارة الأسرية والتربوية مريم الشامي، للجزيرة نت، إلى أن الفترة الراهنة التي يعيشها الأطفال تترك آثارا سلبية شاملة على حياتهم، سواء من الناحية النفسية أو الجسدية والعقلية.

وتؤكد أن زيادة فترة الحرب والخوف والهلع تزيد من اضطراباتهم النفسية، مما يؤثر على نموهم العاطفي والسلوكي، وقد تظهر الآثار البدنية كذلك، مثل الألم في البطن وتسارع نبضات القلب وآلام الرأس، التي تتراكم عند الطفل وتظهر فيما بعد، مع تأثيرات طويلة الأمد.

وتشدد الشامي على أهمية تعميم ثقافة التحدث والتعبير عن المشاعر التي تخلفها الأحداث، خاصة في بيئة المدارس، مشيرة إلى ضرورة تهيئة الأطفال لما قد يحدث، خاصة في ما يتعلق بأصوات الغارات والطائرات، وطمأنتهم بعدم تعرضهم للأذى، مع الحرص على الحفاظ على الروتين اليومي للطفل وممارسة هواياته كوسيلة لتفريغ مشاعره وابتعاده عن مصادر الأخبار.

وتضيف المستشارة الأسرية أنه “من الضروري معرفة أهمية الدعم المبكر والتدخل المباشر في حل هذه المشكلة، مع التأكيد على أهمية الدعم الجماعي بين الأطفال وإشعارهم أنهم ليسوا وحدهم، وأنه من الطبيعي التعبير عن خوفهم من دون خجل”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version