الأربعاء 18 جمادى الأولى 1446هـ

طهران – على وقع طبول الحرب، وإعلان مستشار المرشد الأعلی للشؤون العسكرية اللواء يحيى صفوي أن “السفارات الإسرائيلية في العالم لم تعد آمنة بعد الهجوم علی القنصلية الإيرانية بدمشق”، حطّ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الأحد، رحاله في العاصمة العُمانية مسقط، معلنا عن جولة إقليمية قادته في اليوم التالي إلى دمشق على أن يغادرها لاحقا إلى بيروت في محطته الثالثة.

يأتي ذلك بعد أسبوع فقط على اغتيال 7 من ضباط الحرس الثوري الإيراني، أبرزهم قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان العميد محمد رضا زاهدي، ونائبه محمد هادي رحيمي في هجوم إسرائيلي على القنصلية الإيرانية، حيث توعدت طهران على لسان كبار مسؤوليها بأن “الانتقام آت لا محالة”، ووضعت قواتها المسلحة في “حالة تأهب قصوى”.

وبعد تأكيد الجانبين الإيراني والأميركي تبادلهما الرسائل عقب الهجوم، تأتي زيارة عبد اللهيان إلى عُمان التي اشتهرت بالوساطة بينهما لتؤكد المؤكد أصلا، لكن تزامنها مع تسريب بعض التقارير حول علاقتها بخفض التصعيد في قطاع غزة، يطرح تساؤلات عما يناقشه الوزير الإيراني خلف الأبواب الموصدة في جولته الإقليمية.

بدأ وزير الخارجية الإيراني جولته الإقليمية بزيارة لمسقط ولقاء مسؤول يمني حوثي (مواقع التواصل)

رسائل سرية

في غضون ذلك، كشف مصدر إيراني مقرب من الخارجية الإيرانية -اشترط عدم الكشف عن هويته- أن طهران تلقت رسالة من الولايات المتحدة تدعو لخفض التصعيد وعدم مهاجمة إسرائيل، وذلك ردا على رسالة إيران السابقة بخصوص عزمها مهاجمة الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل مباشر.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف المصدر أن إيران اشترطت لتراجعها عن عملياتها في العمق الإسرائيلي ضمان واشنطن هدنة دائمة وفورية في غزة وعدم تنفيذ الجيش الإسرائيلي الهجوم المزمع على رفح، مستدركا أن دبلوماسية الرسائل السرية والوساطة الإقليمية لم تثمر بالكامل بعد، إلا أنها قطعت شوطا يمكن التعويل عليه لوقف العمليات العسكرية في غزة خلال الفترة المقبلة.

واستدرك أن الشروط الإيرانية “لا تعني تخليها نهائيا عن الانتقام لضحاياها من الكيان الصهيوني”، وأن المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران تسعى لثني الأخيرة عن ضرب العمق الإسرائيلي في التوقيت الراهن، مؤكدا أن ما يهم بلاده الآن إنقاذ الأبرياء في غزة على أمل تصفية الحسابات مع العدو الإسرائيلي لاحقا.

محفزات أميركية

من ناحيته، يرى السفير الإيراني السابق في النرويج وسريلانكا والمجر، عبد الرضا فرجي راد، أن جولة عبد اللهيان الإقليمية على صلة مباشرة بالمفاوضات -عبر وسطاء غربيين وإقليميين- مع الولايات المتحدة، مضيفا أن بعض الأوساط غير الرسمية تتحدث عن محفزات أميركية لثني إيران عن مهاجمة إسرائيل مقابل معادلة ردع جديدة تضع حدا للعمليات الإسرائيلية على سوريا والتراجع عن مهاجمة رفح.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الدبلوماسي الإيراني السابق ضغوطا أميركية وراء سحب إسرائيل معظم قواتها العسكرية من قطاع غزة مؤخرا، موضحا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ظهر في خطابه الأخير، يوم أمس الأحد، “محبطا وفاقدا الأمل باستعادة الأسرى المحتجزين لدى حماس وأمسى يستجدى صفقة مع حركة المقاومة الفلسطينية”.

ورأى أن ما يحدث في الميدان، لا سيما في غزة يدل على كثافة الدبلوماسية الأميركية للحيلولة دون تفاقم الأمور في المنطقة وتزايد ضغوط واشنطن على تل أبيب رغم حساسية الأوساط السياسية الأميركية تجاه الإدارة الحالية وكيفية تعاطيها مع العدوان الإسرائيلي على غزة واستهداف المصالح الصهيوأميركية في الشرق الأوسط.

من جهته، أشاد السياسي الرئيس الأسبق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، بدبلوماسية بلاده لتفويت الفرصة على اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسعى لاستدراج إيران إلى حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة، معتبرا أن الرد الإيراني المباشر في التوقيت الراهن يصب في مصلحة تل أبيب.

في حديث للجزيرة نت، أشار السياسي الإيراني إلى أن حكومة اليمين الإسرائيلي تعاني أزمة كبيرة جراء حربها المتواصلة على غزة وأنها تبحث عن ذريعة تنقذها من مستنقع غزة وتعزز اصطفاف حلفائها الغربيين إلى جانبها، ورأى في القنوات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن سبيلا لقطع الطريق على نتنياهو الذي يريد افتعال أزمة أمنية إضافية بالمنطقة.

ورأى المتحدث نفسه، أن الدبلوماسية التي يقودها عبد اللهيان هذه الأيام سوف تعزز العمق الإستراتيجي للجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط وترجح كفة الدبلوماسية على حساب كفة الميدان في ميزان السياسة الخارجية بما يضمن المصالح الوطنية وأرواح المستشارين الإيرانيين في سوريا.

الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق فاقم التوتر في المنطقة بعد تعهد طهران بالرد (رويترز)

الرد وخفض التصعيد

في المقابل، يذهب بعض المراقبين الإيرانيين إلى أن التراجع عن الانتقام والثأر الذي طالما تغنت به السلطات الرسمية عقب الغارات الإسرائيلية على قواتها في سوريا قد يؤسس لقواعد اشتباك جديدة بالمنطقة تحفز أطرافا أخرى على مهاجمة أهداف إيرانية.

وبعد أن أخرج الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في سوريا الحرب الدائرة بين طهران وتل أبيب منذ عقود من الظل إلى العلن، يرى أستاذ الجغرافيا السياسية عطا تقوي أصل، أن التراجع عن الانتقام بعد رفع الصوت عاليا قد يفسر على أنه مؤشر على الضعف.

وفي حديث للجزيرة نت، يرى تقوي أن بلاده أضحت أمام ثنائية تلبية المطالب الشعبية الهاتفة بالانتقام وخفض التصعيد المنسجم مع الحكمة، مؤكدا أنه لا حاجة لطهران بضرب العمق الإسرائيلي بعد أن أضرمت نيران المقاومة في هشيم الاحتلال، مستغربا إطلاق سلطات بلاده وعودا بالانتقام من إسرائيل رغم أن طهران قد انتقمت من الاحتلال أشد الانتقام طوال 7 أشهر خلت.

ودعا بلاده إلى استخلاص العبر من سلوك الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي قصف إسرائيل إبان الحرب الخليجية الثانية عام 1991 بعشرات الصواريخ، حيث امتنعت تل أبيب حينها عن الرد، لكن النظام البعثي سقط في نهاية المطاف، مؤكدا ضرورة اتخاذ قرارات إستراتيجية بعيدة عن العواطف تتماشی والمصالح الوطنية والظروف التي تعيشها البلاد.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version