بين نور القدوة وبريق الشهرة
يبدأ التمييز الحقيقي بين ما يبني الانسان وما يهدم وعيه حين نضع القدوة في مواجهة الشهرة السطحية فالقدوة نور ثابت هادئ يقود السلوك ويرسم الطريق بينما الشهرة برق يلمع فجأة ويختفي بلا أثر والجيل اليوم يرى أمامه نماذج تتحرك بسرعة عبر السوشال ميديا فيخلط بين اللمعان والقيمة وبين الضجيج والأثر وبين الانتشار والرسالة ولهذا يتجه كثير من الشباب إلى ما يلمع لا إلى ما ينفع وإلى الصوت الأعلى لا إلى المثال الأصلح بينما القدوة الحقيقية تعتمد على السلوك المتكرر وتأثيره المستمر ولهذا يصبح التمييز بين القدوة الحقيقية والشهرة الزائفة ضرورة قصوى لحماية وعي الجيل.
صناعة التفاهة المعاصرة
أصبحت التفاهة ظاهرة تتغذى على السرعة والفراغ حيث تضخم السوشال ميديا النماذج الفارغة وتمنحها حضوراً يفوق حجمها الحقيقي وهكذا يتحول المحتوى السطحي إلى مادة رائجة تنتشر أسرع من القيمة وتتلقى دعماً إعلانياً يصنع وهماً بأنها النموذج الأفضل بينما الحقيقة أن رأس المال التجاري هو من يرفعها ويضخمها لا قيمتها أو أثرها الفعلي وتظهر هذه الظاهرة في الملتقيات والمخيمات والتجمعات المدفوعة التي تصنع نجوماً بلا قيمة وتجمع مؤثرين بلا إنجاز وهكذا يصبح الفراغ سلعة ويتم دفع الجيل نحو المحتوى الذي لا يضيف بينما يتم تهميش النماذج الهادئة التي تقدم أثراً حقيقياً.
القدوة الزائفة اليوم
تنتشر القدوة الزائفة عندما يختلط الصوت العالي بالأثر الحقيقي وعندما يتصدر المشهد من يملك المتابعين المصطنعين لا من يملك القيمة الحقيقية فيجد الجيل نفسه أمام مؤثرين بلا إنجاز يقدمون محتوى استهلاكياً فارغاً من الهدف ما يدفع بعض الشباب للاعتقاد بأن هذا هو معيار النجاح والأثر وفي الواقع صنعت السوشال ميديا فجوة بين الحقيقي والمصطنع فهي تضخم من يثير الجدل وتهمش من يقدم المعرفة وتكافئ من يبالغ في العرض وتغفل من يتقن في الصنع وهكذا يتحول المحتوى الفارغ إلى نموذج بينما تبقى القدوات الحقيقية في الخلف رغم أن أثرها أعمق.
النجومية الهادفة الحقيقية
تصبح النجومية قوة مؤثرة عندما ترتبط بالرسالة لأن الشهرة في ذاتها ليست خيراً ولا شراً بل أداة يمكن أن ترفع الوعي أو تضلله وقد تتحول إلى جسر لصناعة أثر حقيقي إذا حملت معنى واضحاً وعلى هذا لا يكون النجم قدوة بمجرد عدد المتابعين بل حين يقدم قيمة ويصنع إنجازاً يمكن قياسه ويملك استمرارية تثبت أنه ليس صنيعة موجة مؤقتة وهكذا يصبح النجم الحقيقي من يعلم الجيل أن النجاح يُبنى بالعمل لا بالصوت وبالبناء لا بالضجيج.
الإعلام الوطني وصناعة البديل
يقوم الإعلام الوطني بدور مهم فجهود وزارة الإعلام مشكورة في محاربة المظاهر السلبية عبر مشاهير السوشال ميديا ومتابعة المحتوى الهابط وقد بذلت بعض الدول جهوداً مشابهة لكبح المحتوى المنفلت والسطحي ومنع مشاهير يستعرضون الترف أو يكسرون العادات والتقاليد أو يشوهون صورة المجتمع مما يعكس توجهاً عالمياً للحد من الآثار السلبية لهذا النوع من المحتوى غير أن حماية الوعي لا تتحقق بالمنع وكبح الظواهر وحدها بل بصناعة البديل الجذاب الذي يستحق أن يراه الناس ويثقوا به ولهذا يجب إظهار النماذج الجيدة وإتاحة حضور واضح لها في البرامج الوطنية والحملات الرسمية والفعاليات حتى يصبح النموذج الأصيل هو الذي يتصدر ويصبح الإعلام أداة لصناعة الوعي وصناعة القدوة لا مجرد ردة فعل.
*الجوائز الوطنية وصناعة الذوق
تسهم الجوائز الوطنية في إعادة تعريف النجاح ورفع الذوق العام لأن التكريم الرسمي يحدد بوضوح من هو النموذج الذي يستحق الضوء ومن الذي يمثل قيمة حقيقية أمام المجتمع وعندما تمنح الدولة جوائز للمحتوى الهادف والمبادرات المؤثرة والبرامج التعليمية ومشاريع الشباب الناجحة فإنها ترسم معياراً جديداً للنجاح يقوم على الرسالة والأثر لا على الضجيج والظهور وهكذا تصبح الجوائز أداة توجه الذوق العام وتدفع صناع المحتوى نحو الأفضل.
رؤية 2030 وصناعة المثال الوطني
تكشف رؤية المملكة كيف تتحول القدوة من مفهوم تربوي إلى مشروع وطني فقد أعادت تعريف النجاح وربطته بالقيمة والعمل والابتكار وجعلت صناعة القدوة جزءاً من بناء الهوية الوطنية وبخاصة عبر مبادرات مؤسسة الأمير محمد بن سلمان مسك وجهودها المشكورة في دعم القيادات الشابة وتمكين الموهوبين في التعليم والتقنية والإبداع إلى جانب الوعي العالمي بضرورة حماية الأجيال من النماذج غير المسؤولة وهو ما يتضح في متابعة ظاهرة المحتوى المنفلت ومحدودية رموزه في دول عديدة ومع كل هذه الجهود تبرز الحاجة المُلحة لاستراتيجية وطنية واسعة تشترك فيها مختلف الجهات لتعزيز أثر القدوة وحضورها حتى يصبح النموذج الوطني الأصيل هو الحاكم لوعي الجيل وبوصلته.
من تأثير الفرد إلى أثر المجتمع
يبدأ أثر القدوة من الفرد ولكنه لا يتوقف عنده فالسلوك الجيد ينتقل من شخص إلى آخر ثم يتحول إلى ثقافة صغيرة داخل محيطه ثم يتسع في المدرسة ومكان العمل ثم يدخل في وعي المجتمع ومع تكرار هذا الأثر تتشكل موجة قيمية تدفع المجتمع نحو المسؤولية والاتزان بينما القدوة الزائفة تصنع حركة معاكسة تقوم على الضجيج والاستهلاك ولهذا تصبح صناعة القدوة مسؤولية تبدأ من الفرد وتمتد إلى الإعلام والمؤسسات والدولة حتى يتحول التأثير الإيجابي إلى قوة مجتمعية.
الطريق إلى وعي جديد
الطريق إلى وعي جديد يقوم على القدوة لا الضجيج فالمجتمع لا ينهض بمحاربة السيئ فقط بل بصناعة النموذج الجيد ورفعه وتقديمه للناس والجيل يحتاج إلى نماذج حقيقية تمشي أمامه وتقدم قيمة واضحة وتفتح له درباً يبني نفسه من خلاله ومسؤولية القدوة مشتركة بين الأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسات والدولة حتى يصبح النموذج الأصيل هو الصوت الأعلى ويصبح النجاح مرتبطاً بالإنجاز والرسالة والأثر لا بالظهور والضجيج وعندما يستطيع المجتمع التمييز بين القدوة الحقيقية والقدوة المزيفة يكون قد بدأ طريق بناء جيل واعٍ قادر على صناعة المستقبل.
