الأربعاء 18 جمادى الأولى 1446هـ

قبل 9 أشهر، تعاقد نيوكاسل مع ساندرو تونالي قادماً من ميلان الإيطالي، مقابل 70 مليون دولار، لكنه عوقب بالإيقاف لمدة 10 أشهر كاملة عن أي نشاط يتعلّق بكرة القدم بعد 12 مباراة خاضها مع النادي الإنجليزي بسبب المراهنات.

فُرِضت تلك العقوبة على تونالي لانتهاكه قواعد المراهنات المفروضة على اللاعبين. كما سيقضي تونالي 8 أشهر أخرى يتلقى العلاج اللازم للتعافي من إدمان المقامرة.

ولأن المصائب لا تأتي فُرادى؛ فتونالي في هذه اللحظة معرّض لتمديد عقوبته لبضعة أشهر إضافية، بعد أن اكتشف الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم قيامه بـ50 رهاناً على المباريات في الفترة ما بين 12 أغسطس/آب و12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

قبل أن يُنفق نيوكاسل هذا المبلغ الضخم نسبياً على صاحب الـ23 عاما، لم يكن مسؤولو النادي على دراية بسلوكيات اللاعب وإدمانه للمقامرة، على الرغم من أن النادي الإنجليزي هو أحد أكثر الأندية المُطالبة بالحذر في تلك النقطة تحديدا.

سبق أن ضم نيوكاسل قبل عدة سنوات أحد أكثر المقامرين إدمانا في تاريخ إنجلترا، وهو كيث غليبسي  الذي خسر رهاناً بـ47 ألف جنيه إسترليني (59 ألف دولار) في ليلة واحدة عام 1995، وأشهر إفلاسه عام 2010 بعد أن خسر كل أمواله في المراهنات.

لم يعد اللاعبون بحاجة إلى الذهاب لنوادي المقامرة لوضع الرهانات؛ كل شىءٍ الآن يتم بنقرة زر من على الجوال، لكن ربّما كان على نيوكاسل أن يبذل مجهودا أكبر في البحث حول محيط اللاعب لمعرفة سلوكياته، أو ربما بدلاً من ذلك، كان عليهم الاستعانة بخدمات نيل وايتبريد.

جاسوسية مُقنّنة

عمل نيل وايتبريد محققا لمدة 25 عاماً في “سكوتلاند يارد”، وتخصص خلالها في جرائم القتل بالأسلحة النارية، وتجارة المخدرات، ومكافحة الإرهاب والفساد، قبل أن يقرر الولوج إلى عالم كرة القدم.

في نهاية عام 2021 انطلقت رحلة وايتبريد مع قضايا كرة القدم، حيث انضم لشركة “سيلفر سيل” ليلتحق بصديق آخر له من “سكوتلاند يارد” يُدعى جون رينولدز، للعمل مع الشركة كمحققين استخباراتيين لصفقات أندية كرة القدم المحتملة.

قام وايتبريد ورينولدز بعمل بحث دؤوب لجمع المعلومات حول اللاعبين المُستهدفين، تتعلق بخلفياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية والأهم من كل ذلك كيفية استخدامهم لشبكات التواصل الاجتماعي.

أندري غراي لاعب بيرنلي في 2016 كان أحد الأمثلة، حيث عوقب بالإيقاف 4 مباريات بسبب تغريدة نشرها عام 2012، يحرّض فيها على قتل الأشخاص الشاذين جنسيا.

لم يسلم جونسون كلارك مهاجم نادي بيتربوروه هو الآخر من العقوبة بسبب تغريدات مشابهة وعوقب على إثرها في سبتمبر/أيلول 2021 بالإيقاف 4 مباريات كذلك، بالإضافة إلى غرامة مالية.

وعموما تتلخص مهمة وايتبريد ورينولدز في تمكين الأندية من أخذ خطوة استباقية لمواجهة أمور كتلك، وأمور أخرى بالطبع تتعلق بسلوكيات اللاعبين المختلفة خارج الملعب وداخله؛ حيث يقدّم وايتبريد في النهاية بعد بحثه المطوّل تقريراً من 30 إلى 60 صفحة يحوي معلومات استخباراتية دقيقة ومفصّلة عن اللاعب المُستهدف.

لماذا كرة القدم؟

تُنفق أندية كرة القدم الملايين سنوياً على صفقات الانتقال، بالأخص عندما يتعلّق الأمر بأندية الدوري الإنجليزي الممتاز الأغنى في العالم؛ والتي أنفقت وحدها 2.9 مليار دولار، الصيف الماضي.

استثمارات بهذا الحجم، لابد أن تُدار بحكمة، وهو ما لا يحدث دائماً في الحقيقة.

يقول- أنجي بوستيكوجلو مدرب توتنهام “الشخصية مهمة، شخصية اللاعب تعني كل شيء بالنسبة لي، شخصية سيئة واحدة في غرفة تبديل الملابس تسبب الكثير من المشاكل. لذلك سأتخلّى دائمًا عن جودة اللاعب مقابل الشخصية المناسبة”.

تقضي الأندية أسابيع من العمل للتأكُّد من مناسبة اللاعب للفريق من الناحية الكروية، لكنها في المقابل، تبذل مجهوداً أقل بكثير في التحقق من شخصية اللاعب وسلوكياته المختلفة، بأنظمة وإستراتيجيات عفا عليها الزمن، وهنا تأتي الفجوة التي يسعى وايتبريد لملئها.

يقول وايتبريد في تصريحات لصحيفة (أينيوز)  “هذه صناعة تبلغ قيمتها ملايين بل مليارات الجنيهات، لكن في كثير من الأحيان تقوم الأندية بهذه الصفقات دون تقييم المخاطر المتوقعة بشكل صحيح. عندما تستثمر كل تلك الأموال فإن جمع المعلومات الكافية حول خلفيات اللاعبين أمر حتمي للغاية”.

ليس بتلك السهولة

رجل بأفكار جديدة، هو رجل مجنون حتى تنتصر أفكاره، عبارات جاءت على لسان العرّاب مارسيلو بييلسا أحد أعتى مدربي اللعبة، وهي تصف موقف وايتبريد بدقة؛ الرجل الذي تواجه فكرته الكثير من الأحكام المُسبقة، ويعتقد الكثير من المسؤولين داخل أروقة الأندية أنه مجرّد متحذلق يرغب في جمع الأموال ليس إلّا، وأن الأمر لا يحتاج لكل ذلك التعقيد.

يقول وايتبريد في تصريحات لـصحيفة “ذي أثليتيك ” “في كثير من الأحيان عندما نعرض خدماتنا على المسؤولين في الأندية يقولون “ما الإضافة الحقيقية التي ستقدمها لنا، كلُّ شيء موجود على غوغل”.

وأضاف “أرد دائماً بأن غوغل لن يعطيك الإجابات على كل شيء،. لكننا نستخدم برامج مخصصة لا تملك أندية كرة القدم شبيهاً لها، نحن خبراء في مجالنا لسنوات، ونعلم بالضبط أين نبحث وكيف نعثر على المعلومات المطلوبة.”

ربّما ما يفعله وايتبريد الآن في عالم الكرة، هو بمثابة لعبة أطفال مقارنةً بحجم القضايا التي كان يعمل عليها في “سكوتلاند يارد” سابقاً، ورغم اقتحامه لأروقة اللعبة مؤخراً فقط؛ إلا أنه بالفعل قد عمل مع عدة أندية من الدوري الألماني والفرنسي والبريمرليغ والتشامبيونشيب، بالإضافة لأندية من دوري المحترفين الأمريكي”.

ومع شيوع حالات مشابهة لحالة تونالي وإيفان توني؛ يبدو أن وايتبريد ستكون أمامه مهمة شاقة مع العديد من الأندية على قوائم انتظاره.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version