الخميس _23 _أكتوبر _2025AH

هذا التصعيد يعكس انتقال إيران من مرحلة الدفاع إلى مرحلة التحدي، أو ربما الرهان على الوقت لإعادة تشكيل واقع جديد يخدم مصالحها.

موقف إيراني واضح

العبارة التي يكررها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بشكل مستمر، تعكس استراتيجية واضحة لطهران: شرط مسبق لإعادة الحوار النووي، وعدم القبول بأي شروط تُفرض من الخارج دون تفاهم متبادل.

ويشير المحلل السياسي محمد صالح صدقيان خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية إلى أن الرسالة الإيرانية كانت موجهة للجانب الأميركي بشكل مباشر، مفادها بأن استمرار واشنطن بمواقفها الراهنة يمنع عقد أي مفاوضات.

ويضيف صدقيان أن الجولات الخمس السابقة من المفاوضات، والتي جرت قبل الهجمات الإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية، كانت تسير باتجاه إيجابي في مراحلها الأولى، إلا أنها تعثرت في المراحل الأخيرة.

وكان المبعوث الأميركي ستيف وويتكوف يقدم معلومات إيجابية ويقبل بالمقترحات الإيرانية، لكن عند عودته إلى واشنطن، تتغير الظروف والمواقف، مما يعكس صعوبة الحفاظ على مسار تفاوض ثابت.

إيران لا تغلق الباب بل تعيد ضبط شروط اللعبة

على الرغم من اللهجة الصارمة لعراقجي، يرى صدقيان أن الهدف لم يكن غلق الباب نهائيًا، بل إرسال رسالة واضحة للجانب الأميركي بضرورة إعادة النظر في مواقفه.

ويشير إلى تصريحات المرشد علي خامنئي، التي وصف فيها المقاربات الأميركية الحالية بأنها ليست مفاوضات حقيقية، بل إملاءات، مؤكداً أن طهران مستعدة للجلوس على طاولة مفاوضات قائمة على احترام متبادل ومصالح مشتركة، بما يحقق مبدأ “رابح–رابح”.

وتسعى إيران عبر هذه المقاربة لإزالة القلق لدى الجانب الغربي، وتحقيق هدفها الأساسي المتمثل في رفع وإلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، مع الحفاظ على سيطرتها على برنامجها النووي دون ضغوط خارجية مباشرة.

لعبة الوقت.. كل طرف يراقب الآخر

يلفت صدقيان إلى أن كل طرف يلعب على عامل الزمن. فالجانب الإيراني يسعى للمماطلة لإثبات قدرته على الصمود اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، في حين يستخدم الجانب الأميركي الضغط والزمن لمعرفة مدى فعالية العقوبات الجديدة المفروضة عبر مجلس الأمن الدولي وآلية الزناد.

ورغم هذا التلاعب المتبادل بالوقت، يبدو أنه لا أحد مستعد لرفع راية البيضاء، ما يعكس استمرار التوتر وعدم اليقين بشأن مسار المفاوضات.

الرهان الإيراني على الجوار والتوازن الإقليمي

إلى جانب الموقف النووي، تراهن إيران على قدرتها على إدارة المشاكل الاقتصادية الداخلية، مستفيدة من موقعها الجغرافي الفريد الذي يحدها 15 دولة، من تركيا شمالًا إلى الهند وباكستان شرقًا، مرورًا بدول الخليج والعراق.

وقد أكد عراقجي في ندوة سياسية لكافة المحافظات الإيرانية أن إيران تملك إمكانيات للتعامل مع دول الجوار، مستفيدة من العلاقات التاريخية والجغرافية.

ويشير المحلل إلى أن التطورات الإقليمية الأخيرة، بما فيها أحداث سوريا ووقف إطلاق النار في غزة، أعادت صياغة الحسابات الإقليمية، وأوجدت أجواء جديدة يمكن لإيران أن تستفيد منها لتعزيز دورها في المنطقة، بما في ذلك اليمن، حيث يمكن أن تبرز تسويات محتملة بين أطراف إقليمية كالسعودية وإيران والإمارات.

إيران والدبلوماسية الخليجية

يشير صدقيان إلى أن الدبلوماسية الإقليمية شهدت ديناميكيات جديدة بعد المصالحة الإيرانية السعودية، وعودة سفارات دول مجلس التعاون إلى طهران.

ومع ذلك، يلفت إلى أن هناك إخفاقات في العودة إلى العلاقات الطبيعية، خصوصًا بعد أحداث 7 أكتوبر، ما أسماه “العقدة المركزية” التي تؤثر على استقرار المنطقة.

ويعتبر المحلل أن استمرار هذه العقدة دون معالجة يعقد أي جهود للتسوية الإقليمية، بينما يمكن أن يؤدي صمود اتفاقيات مثل وقف إطلاق النار في غزة إلى توفير بيئة مناسبة لتعزيز العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وربما تسريع وتيرة التعاون بين طهران والرياض.

مشهد مفتوح على الاحتمالات

في ضوء هذه المعطيات، تبدو إيران في مرحلة دقيقة بين التحدي والمراوغة، محافظة على خيارها النووي الاستراتيجي، ومستغلة موقعها الإقليمي لتعزيز نفوذها. وفي الوقت نفسه، تراقب واشنطن التوازنات، مستخدمة الضغط والزمن كأداة للتفاوض.

يبقى الوضع مفتوحًا، مع احتمالات لتطورات دبلوماسية وإقليمية قد تعيد صياغة المعادلات الحالية، سواء عبر الانفتاح على مفاوضات مشروطة أو عبر تعزيز النفوذ الإيراني في محيطه الإقليمي.

ويظل الرهان الأكبر في قدرة الأطراف على إدارة الوقت والمصالح المشتركة دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة قد تؤثر على الاستقرار في المنطقة برمتها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version