الأربعاء 18 جمادى الأولى 1446هـ

محاصرين من قبل القوات شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع، كان أمام سكان الصيعية ثلاثة خيارات للهروب من مهاجميهم. الأول: أن ترمي نفسك في النيل مهدداً بالغرق. والثاني: التسلل ليلاً عبر الحقول المتاخمة لهذه البلدة الصغيرة في الجزيرة، وهي منطقة زراعية تقع جنوب شرق الخرطوم، عاصمة السودان. الثالث: الاختباء في المنزل، على أمل عدم التعرض للضرب أو الاغتصاب أو القتل أثناء نهب المليشيا للقرية.

اقرأ الافتتاحية | إخراج الحرب في السودان من النسيان

وبعد ثلاثة أيام من الحصار، اختار أبو زيد مدثر (22 عاماً) الحل الثاني. “كان الجنود قد نصبوا مدفعاً رشاشاً على سطح المدرسة. لقد أطلقوا النار فور رؤيتهم، حتى على السكان الذين كانوا يغادرون المسجد”.يتذكر. وفي فجر يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول، فر الشاب مع عائلته عبر الريف، قاطعاً أكثر من خمسين كيلومتراً سيراً على الأقدام، ونام على الأرض، مختبئاً بين سنابل الذرة.

الصيعية، رفاعة، تمبول، الصريحة، الهلالية.. واحدة تلو الأخرى، أكثر من مائة بلدة وقرية في الجزيرة تقتحمها قوات الدعم السريع بقيادة اللواء محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي”. وفي الفترة ما بين 20 أكتوبر/تشرين الأول و10 نوفمبر/تشرين الثاني، قُتل ما لا يقل عن 1245 مدنياً في المنطقة، وفقاً للتقديرات التي تم التحقق منها بواسطة العالم, وأصيب عدد أكبر بمرتين إلى ثلاثة أضعاف.

الحملات العقابية

في أصل المذبحة هناك خيانة الرجل. وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول، انحاز أبوعاقلة كيكال، قائد قوات الدعم السريع في شرق الجزيرة، إلى جانب القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رغم أنه منذ نهاية سبتمبر/أيلول، يبدو أن الأخير يستعيد تفوقه في ساحة المعركة. في العاصمة وعلى عدة جبهات شرق البلاد.

وعندما سارع الجيش النظامي إلى إعلان تجمع أبوعجلة كيكال وقواته التي يقدر عددها بـ 400 جندي، احتفل السكان في البداية بالخبر، معتقدين أنهم سيتحررون من نير الفصائل شبه العسكرية التي حكمت الجزيرة بقبضة من حديد منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي. 2023. فرحتهم لم تدم طويلاً. انسحبت فجأة قوات القائد كيكال، التي ساعدت حتى ذلك الحين في الحد من انتهاكات قوات الدعم السريع شرق النيل، تاركة السكان بلا حماية.

وردا على هذا الانشقاق المهين، زادت الميليشيات شبه العسكرية من حملاتها العقابية بحجة تعقب المتعاونين مع الجيش. وسرعان ما تحولت هذه الحملة الانتقامية الواسعة، التي استهدفت بشكل أساسي أفراد قبيلة الشكرية -التي جاء منها الهارب- إلى غارة صاحبتها مجازر وتهجير قسري دون أن يتفاعل الجيش النظامي المتمركز على أطراف المنطقة.

لديك 76.55% من هذه المقالة متبقية للقراءة. والباقي محجوز للمشتركين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version