الإعلان جاء بعد ساعات عبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قدّم العملية باعتبارها رداً مباشراً على هجمات استهدفت مجتمعات مسيحية، فيما أكدت القيادة الأميركية في أفريقيا AFRICOM مقتل “عدة عناصر” من التنظيم من دون تسجيل خسائر مدنية، بحسب التقييمات الأولية.
الحكومة النيجيرية بدورها أكدت أن الضربة تمت بطلب رسمي منها وفي إطار التعاون الأمني القائم مع واشنطن، لكنها شددت في الوقت نفسه على أن العنف في البلاد لا يقتصر على فئة دينية بعينها، وأن المدنيين من المسلمين والمسيحيين يدفعون ثمناً متشابهاً في نزاع متعدد الطبقات.
لماذا سوكوتو؟
سوكوتو ليست جزءاً من معاقل “التمرد الجهادي” التقليدية في شمال شرق نيجيريا، لكنها تمثل نقطة تقاطع خطيرة بين العصابات المسلحة المحلية والتمدد الأيديولوجي للتنظيمات العابرة للحدود.
خلال العامين الأخيرين، تحولت ولايات الشمال الغربي إلى مسرح تتداخل فيه عمليات الخطف والنهب مع نشاط خلايا متطرفة، ما خلق بيئة مثالية لفتح ممرات لوجستية غير مرئية تربط نيجيريا بالنيجر ثم بعمق الساحل الأفريقي.
وأشارت تقارير أمنية دولية إلى أن الولايات المتحدة كثفت رحلات الاستطلاع الجوي فوق شمال نيجيريا منذ أواخر نوفمبر، في مؤشر على أن الضربة لم تكن ارتجالية، بل جاءت بعد مراقبة استخباراتية هدفت إلى تعطيل شبكة ناشئة قبل اكتمالها.
اضطهاد المسيحيين خريطة غير متجانسة
الحديث عن اضطهاد المسيحيين في نيجيريا يحتاج إلى تفكيك جغرافي وأمني دقيق. ففي الشمال الشرقي، حيث تنشط جماعات مثل “بوكو حرام” و”داعش ولاية غرب أفريقيا”، يتعرض المسيحيون والمسلمون على حد سواء لهجمات ذات طابع عقائدي مباشر، تشمل تفجيرات وخطفاً واستهدافاً للقرى ودور العبادة.
أما في ولايات “الحزام الأوسط” مثل بينوِيه وبلاتو وكادونا، فيأخذ العنف طابعاً أكثر تعقيداً، مرتبطاً بصراعات على الأرض والموارد بين رعاة ومزارعين، قبل أن يتخذ لاحقاً بعداً دينياً أو طائفياً.
في هذه المناطق، وثقت منظمات حقوقية دولية تدمير كنائس، تهجير مجتمعات مسيحية، وسقوط آلاف القتلى، وسط اتهامات للدولة بالعجز عن توفير حماية فعالة.
في الشمال الغربي، حيث وقعت الضربة الأميركية، لا يظهر الاضطهاد في صورة حملة أيديولوجية صريحة بقدر ما يتجلى في فراغ أمني تستغله جماعات مسلحة هجينة، يمكن توجيهها بسهولة ضد أهداف دينية أو مدنية بحسب السياق.
“لاكوراوا”.. الحلقة المفقودة
في قلب هذا المشهد تبرز جماعة “لاكوراوا”، وهي مجموعة مسلحة حديثة الظهور تنشط على الحدود بين نيجيريا والنيجر، خصوصاً في ولايتي كيبي وسوكوتو.
لا تعود جذور الجماعة إلى تنظيم “داعش”، لكنها، وفق تقارير أمنية وإعلامية، نجحت في بناء علاقة تعاون وتسليح مع شبكات مرتبطة به.
خطورة “لاكوراوا” لا تكمن في حجمها، بل في موقعها الجغرافي ودورها الوظيفي. فهي تمثل جسراً محتملاً يتيح ربط مقاتلي “داعش ولاية غرب أفريقيا” في نيجيريا بخلايا “داعش في الصحراء الكبرى” المنتشرة في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
هذا الربط، إن اكتمل، قد يحول مناطق كانت تُعد هامشية مثل دوسو في النيجر إلى ساحات مواجهة مفتوحة.
البعد الإقليمي للضربة
العملية الأميركية جاءت بعد أيام من هجوم دموي لتنظيم داعش في النيجر، ما عزز المخاوف من انتقال مركز الثقل “الجهادي” غرباً، خارج نطاق المثلث الحدودي التقليدي.
من هذا المنظور، تبدو الضربة محاولة استباقية لمنع تشكل ممر بري عابر للحدود، أكثر من كونها رداً محدوداً على هجوم بعينه.
واشنطن، عبر هذه العملية، بعثت برسالة مفادها أن أي محاولة لإعادة رسم جغرافيا النفوذ “الجهادي” في غرب أفريقيا ستُواجَه بتدخل مباشر، ولو محدود زمنياً. في المقابل، تحاول أبوجا الحفاظ على توازن دقيق بين الاستفادة من الدعم الأميركي وتفادي ترسيخ سردية الصراع الديني، التي قد تزيد الاستقطاب الداخلي وتغذي دوامة العنف.
ما الذي يمكن أن يحدث لاحقاً؟
السيناريو المرجح على المدى القصير هو تراجع تكتيكي للجماعات المستهدفة، مع انتقالها إلى مسارات بديلة أقل وضوحاً. غير أن خطر الهجمات الانتقامية يظل قائماً، سواء داخل نيجيريا أو عبر الحدود مع النيجر، خصوصاً ضد أهداف مدنية أو دينية رخوة.
نجاح الضربة الأميركية سيُقاس ليس بعدد القتلى، بل بقدرتها على تعطيل شبكات الربط اللوجستي ومنع الجماعات الوسيطة مثل “لاكوراوا” من التحول إلى بنية دائمة في معادلة العنف الإقليمي.
ما جرى في سوكوتو ليس حادثاً معزولاً، بل حلقة في صراع أوسع على السيطرة على طرق العبور والنفوذ في غرب أفريقيا.
وبين حقيقة اضطهاد المسيحيين في مناطق عدة من نيجيريا، وواقع أن العنف يطال الجميع بلا استثناء، يبقى التحدي الأكبر هو بناء استجابة أمنية تحمي المدنيين وتمنع التنظيمات المتطرفة من استغلال الفراغات الجغرافية والهوياتية لمد نفوذها عبر الحدود.
