السبت _20 _سبتمبر _2025AH

أحدث هذه المبادرات ما كشفته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن تفاصيل خطة جديدة وضعها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بالتنسيق مع أطراف أميركية وإسرائيلية.

الخطة لا تقف عند حد وقف الحرب فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى رسم تصور لإدارة القطاع في مرحلة ما بعد حماس، عبر ترتيبات أمنية وسياسية واقتصادية معقدة.

وبينما تُطرح كخطوة نحو الاستقرار وإعادة الإعمار، أثارت جدلاً واسعاً على الساحة الفلسطينية والعربية، خصوصاً مع ما تحمله من شروط وإشارات غامضة.

المستشار الدبلوماسي منير الجاغوب، وخلال حديثه إلى برنامج التاسعة على “سكاي نيوز عربية”، اعتبر أن خطة بلير تفتقر إلى الثقة والوضوح، مؤكداً أن الخيار الأكثر أماناً وواقعية هو الخطة العربية-الإسلامية التي نوقشت في القاهرة، والتي تحظى بقبول فلسطيني واسع.

ملامح خطة بلير.. إدارة انتقالية برعاية دولية

بحسب “تايمز أوف إسرائيل”، تقوم خطة بلير على تشكيل هيئة مؤقتة لإدارة غزة، مدعومة بقوات دولية ومحلية متعددة الجنسيات بتفويض من مجلس الأمن الدولي. هذه الهيئة ستكون مسؤولة عن الملفات الإنسانية، وإعادة الإعمار، والأمن، على أن تعمل بتنسيق مباشر مع السلطة الفلسطينية.

كما تنص الخطة على ضرورة إصلاح السلطة الفلسطينية بالتعاون مع الشركاء الدوليين والعرب، على أن تُنقل إدارة القطاع إلى السلطة تدريجيًا خلال بضع سنوات، وفقًا لمدى التقدم في الإصلاحات المطلوبة. وتشمل البنود أيضًا إنشاء قوة شرطة مدنية في غزة مكوّنة من عناصر مجندين وغير حزبيين، فيما تتولى قوة أمنية متعددة الجنسيات ضمان الاستقرار على الحدود ومنع عودة الجماعات المسلحة.

الخطة شددت على أنها لا تهدف إلى تهجير السكان أو مصادرة ممتلكاتهم، بل إلى ضمان حقهم في العودة والحفاظ على ممتلكاتهم. ورغم ذلك، يبقى غياب بند واضح حول الانسحاب الإسرائيلي من القطاع أحد أبرز الثغرات التي لفت إليها المنتقدون.

تجربة مُرة مع بلير والولايات المتحدة

المستشار الدبلوماسي منير الجاغوب لم يُخفِ تشككه العميق بخطة بلير. ففي حديثه لـ”التاسعة” على “سكاي نيوز عربية” أكد أن الفلسطينيين خبروا تجربة طويلة مع بلير، عندما كان رئيساً للجنة الرباعية الدولية، ولم يروا منها أي نتائج لصالح قضيتهم. بل على العكس، اعتبر أن تحركاته غالباً ما صبت في خدمة المصالح الإسرائيلية.

وتساءل الجاغوب عن معيار “إصلاح السلطة الفلسطينية” الذي تنص عليه الخطة، مشيراً إلى أن مثل هذا المعيار قد يستغرق عقوداً إذا كان بيد الولايات المتحدة أو بلير. وهو شرط يراه تعجيزياً ويهدف عملياً إلى تأجيل أي دور فعلي للسلطة الفلسطينية، وبالتالي إبقاء الوضع معلقاً إلى أجل غير مسمى.

غياب الانسحاب الإسرائيلي.. “لغم” قابل للانفجار

من أبرز ملاحظات الجاغوب على خطة بلير أنها لم تشر بوضوح إلى انسحاب إسرائيلي من داخل قطاع غزة. بالنسبة له، هذا “لغم سياسي” قد يُفجر أي مبادرة، خصوصاً في ظل تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتكررة بعدم الانسحاب من غزة وعدم تسليم الحكم لا للسلطة الفلسطينية ولا لحركة حماس.

ويضيف الجاغوب أن أي خطة تتجاهل هذا العامل الأساسي، وتُطرح عبر الإعلام الإسرائيلي فقط، تبدو أقرب إلى “جس نبض” للقيادة الفلسطينية والعربية، أكثر من كونها مبادرة واقعية قابلة للتنفيذ.

مقارنة مع الخطة العربية.. وضوح وقبول أوسع

في مقابل ذلك، يضع الجاغوب الخطة العربية-الإسلامية على الطاولة باعتبارها “الأكثر واقعية والأكثر أماناً”. هذه الخطة، التي نوقشت في مؤتمر القاهرة، تتضمن:

  • انسحاباً إسرائيلياً تدريجياً من القطاع.
  • نشر قوات عربية بدلاً من قوات دولية.
  • تسليم سريع للسلطة الفلسطينية مسؤولية الحكم.

ويرى الجاغوب أن هذه الخطة ليست غامضة، بل مقبولة فلسطينياً وحتى من بعض الفصائل، بما فيها حركة حماس، لأنها لا تستبعدها بشكل قسري، بل تعالج وجودها ضمن ترتيبات فلسطينية داخلية.

الإعمار.. من يتحمل المسؤولية؟

النقطة الأكثر حساسية التي شدد عليها الجاغوب هي مسألة إعادة الإعمار. بالنسبة له، لا يمكن أن يكون العرب وحدهم مسؤولين عن ترميم ما دمرته الحرب. فالجهة التي ألحقت الدمار، أي إسرائيل بدعم أمريكي، هي من يجب أن تتحمل العبء الأكبر من تكلفة الإعمار.

وأشار إلى أن مساهمات عربية وسعودية وإماراتية مطروحة بالفعل لتخفيف معاناة الفلسطينيين، لكن تحميل هذه الدول كامل المسؤولية يضعها في موقع “المنظف” خلف إسرائيل، وهو أمر غير مقبول.

سموتريتش وعقلية “العقار والغاز”

تصريحات سموتريتش عن غزة بوصفها “مشروعاً عقارياً مربحاً” لم تمر مرور الكرام على الجاغوب. إذ رأى فيها امتداداً لعقلية استثمارية تضع عينها أيضاً على ثروات الغاز قبالة شواطئ القطاع.

ولفت إلى أن ربط سموتريتش هذه المشاريع بالولايات المتحدة ليس عفوياً، بل محاولة لاستدراج إدارة ترامب إلى شراكة اقتصادية في غزة، انسجاماً مع اهتمامات ترامب وصهره جاريد كوشنر بالصفقات التجارية والعقارية. الجاغوب قرأ ذلك كنوع من “التوريط” لواشنطن في مشاريع مشبوهة، تماماً كما جرى مع تجربة “الميناء العائم” التي انتهت بفشل ذريع.

“بالونات اختبار” أكثر منها خطط جدية

برأي الجاغوب، خطة بلير لا تبدو مطروحة على الطاولة بشكل جدي لدى القيادة الفلسطينية. لم يجرِ نقاش رسمي حولها، ولم تصل إلى أي قنوات فلسطينية مباشرة. ولذلك يراها مجرد “بالونات اختبار” أطلقتها إسرائيل عبر الإعلام، لقياس ردود الفعل الفلسطينية والعربية، من دون أن تعكس إرادة حقيقية للحل.

تضع خطة بلير نفسها كخريطة طريق لليوم التالي في غزة، لكنها تُواجه بجملة من التحديات البنيوية: غياب الانسحاب الإسرائيلي، اشتراطات إصلاح السلطة الفلسطينية، طابعها الدولي الضبابي، وتحويل الإعمار إلى مشروع استثماري بدل أن يكون التزاماً على المحتل.

بالنسبة للقيادة الفلسطينية، وكما عبّر المستشار منير الجاغوب، فإن الثقة تظل معلقة بالخطة العربية-الإسلامية التي نوقشت في القاهرة، لا بمبادرات غامضة تأتي عبر الإعلام الإسرائيلي. وفي ظل واقع ميداني ينذر بالمزيد من الدم والدمار، يبقى السؤال مفتوحاً: هل يمكن لأي خطة أن تُطبق من دون اعتراف صريح بمسؤولية الاحتلال وانسحابه من غزة؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version