الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف الضربات بأنها “سحقت المنشآت النووية تماما”، مؤكدا أن الهجوم المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل شكّل “ضربة قاصمة” لقدرات إيران النووية. إلا أن وكالات الاستخبارات الأميركية أظهرت تباينا واضحا في تقييمها للنتائج.
تقييمات متضاربة
التقرير الأولي الصادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية (DIA)، استند إلى معطيات جمعت خلال الساعات الأربع والعشرين الأولى بعد الضربات التي استهدفت ثلاث منشآت رئيسية، وهي فوردو، ونطنز، وأصفهان. وخلص التقرير إلى أن مستوى الدمار يتراوح بين “متوسط وشديد”، وأن البرنامج النووي الإيراني سيتأخر بحد أقصى “عدة أشهر” فقط.
ومع ذلك، حذّر التقرير من أن هذه الاستنتاجات “ضعيفة الثقة”، بسبب حداثة المعلومات، واحتمال وجود منشآت لم تُستهدف أو لم تُكتشف بعد.
أما وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، فقد قدمت تقديرا مغايرا بعد أيام من الضربات، حيث قال مديرها جون راتكليف إن “معلومات جديدة وموثوقة” تشير إلى أن عددا من المنشآت “دُمرت بالكامل”، ولن تكون قابلة للإصلاح قبل سنوات. وأكد أن هذه المعلومات تم جمعها من مصادر وصفتها الوكالة بأنها “موثوقة تاريخيا ودقيقة”.
المنشآت المستهدفة: فوردو، ونطنز، وأصفهان
الضربات الأميركية شملت منشأة “فوردو”، وهي منشأة نووية مدفونة تحت الجبال، ومحمية بمئات الأمتار من الخرسانة المسلحة. ووفقا للتقديرات، فإن أي ضرر متوسط بها قد يجعلها غير صالحة للاستخدام، مما يعني أن إيران لن تتمكن من استئناف عمليات تخصيب اليورانيوم فيها قريباً.
كما استُهدفت منشأة “نطنز”، المركز الأساسي لتخصيب اليورانيوم، في غارات جوية وصفت بأنها دقيقة وعنيفة.
غير أن التركيز الأكبر كان على منشأة التحويل في “أصفهان”، التي تُستخدم لتحويل غاز اليورانيوم إلى مواد صلبة، تمهيدا لاستخدامها في تصنيع قنبلة نووية.
مخزون اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي
رغم حجم الدمار، أثار بعض الخبراء تساؤلات حول مدى تأثير الضربات، خاصة في ظل تقارير تفيد بأن إيران نقلت كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب قبل الغارات. كما أشارت وكالة الطاقة الذرية الدولية (IAEA) إلى أن طهران كانت قد أوقفت أنشطة معينة في المواقع المستهدفة قبل فترة، وهو ما يزيد الشكوك بشأن فعالية الضربات في القضاء على البرنامج النووي بشكل كامل.
كذلك، لم تؤكد أي وكالة استخباراتية بشكل قاطع أن أنفاق أو مداخل منشأة فوردو قد انهارت بالكامل، ما يترك الباب مفتوحا أمام احتمالية استعادة إيران بعض قدراتها هناك.
خلاف سياسي واستخباراتي
في سياق متصل، شكّك أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، لا سيما من الحزب الديمقراطي، في الرواية الرسمية للبيت الأبيض. وقال السناتور مارك وارنر إن “الاستناد إلى روايات استخباراتية منقوصة أو مسيّسة أمر مقلق”، محذّرا من تكرار سيناريو التلاعب بالمعلومات كما حدث قبيل غزو العراق عام 2003.
سيناريو العراق 2003
في عام 2003، شكّل التلاعب الأميركي بالمعلومات الاستخباراتية حول امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل أحد أبرز الأمثلة على توظيف المعلومات الاستخباراتية لأهداف سياسية.
قبل غزو العراق، قدمت إدارة الرئيس الأميركي وقتها جورج بوش سلسلة من الادعاءات المدعومة بتقارير استخباراتية، زعمت فيها أن نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين يمتلك برامج سرية لتطوير أسلحة كيميائية وبيولوجية ونووية، وهو ما اعتُبر تهديدا مباشرا للأمن العالمي.
غير أن ما تكشّف لاحقا، بعد الغزو، هو أن تلك المزاعم كانت مبنية على معلومات غير مؤكدة أو تم تأويلها بشكل مضلل.
لجأت الإدارة الأميركية وقتها إلى تضخيم تقارير استخباراتية ضعيفة الثقة، وتجاهلت تقييمات بديلة من داخل الأجهزة نفسها. وقد أدى ذلك إلى تقويض مصداقية أجهزة الاستخبارات الأميركية، وفتح نقاشا واسعا في الولايات المتحدة والعالم حول مخاطر تسييس المعلومات الأمنية والاستخباراتية لخدمة أجندات عسكرية.